وَالثَّانِي: أَنَّ اغْتِلَامَهَا هُوَ تَغَيُّرُهَا، إِمَّا إِلَى حموضة أو قوة، وليس في واحد منها سُكْرٌ وَلِذَلِكَ كُسِرَتْ بِالْمَاءِ لِتَزُولَ حُمُوضَتُهَا أَوْ قُوَّتُهَا.
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سَأَلَ السَّكْرَانَ أَشَرِبْتَ خَمْرًا؟ قَالَ: لَا شَرِبْتُ الْخَلِيطَيْنِ فَمِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ لَا يُعُرَفُ إِسْنَادُهُ، وَلَا يُحْفَظُ لَفْظُهُ، فَلَمْ يَثْبُتْ بِهِ حُكْمٌ.
والثَّانِي: أَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِيهِ جَوَابٌ مِنْ إِبَاحَةٍ وَلَا حَظْرٍ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّ الْإِمْسَاكَ مِنْهُ لَا يَمْنَعُ مِنَ اسْتِعْمَالِ قَوْلِهِ: " كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ) .
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: " شَهِدْتُ تَحْرِيمَ النَّبِيذِ كَمَا شَهِدْتُمْ ثُمَّ شَهِدْتُ تَحْلِيلَهُ فَحَفِظْتُ وَنَسِيتُمْ) . فَمِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ مَنْ أَحَلَّ النَّبِيذَ لَمْ يَعْتَرِفْ بِتَحْرِيمِهِ قَبْلَهُ وَمَنْ حَرَّمَهُ لَمْ يَدَعْ إِحْلَالَهُ بَعْدَهُ، فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ دَلِيلٌ.
وَالثَّانِي: أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ النَّهْيُ عَنِ الأوعية، قد رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " نهى عن الأوعية إلا وعاء بوكاء) .
وَمَا قَدَّمْنَاهُ مِنَ النَّهْيِ عَنِ الدُّبَّاءِ وَالْحَنْتَمِ والنقير وَالْمُزَّفَتِ وَأَبَاحَ مَا يُوكَأُ مِنْ أَوْعِيَةِ الْأَدِيمِ، ثم اختلف أصحابه عن النهي في هَذِهِ الظُّرُوفِ بَعْدَ تَحْرِيمِ الْمُسْكِرِ هَلْ نُسِخَ أم لا؟ فذهب عمر بن الخطاب رضي الله عنه وَعَائِشَةُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ إِلَى بَقَائِهَا عَلَى التَّحْرِيمِ فِيمَا لَمْ يُسْكِرْ وقال عُمَرُ: لَأَنْ تَخْتَلِفَ الْأَسِنَّةُ فِي جَوْفِي أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَشْرَبَ نَبِيذَ الْجَرِّ.
وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: " اجْتَنِبُوا الْحَنَاتِمَ وَالنَّقِيرَ) وَقَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها أشرب في سقا ثلاث على خمسة أَيْ يُشَدُّ وَذَهَبَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَجُمْهُورُ الصَّحَابَةِ إِلَى إِبَاحَتِهَا فِيمَا لَمْ يُسْكِرْ وَنَسْخِ تَحْرِيمِهَا، وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " إِن الظُّرُوفَ لَا تُحَرِّمُ شَيْئًا فَاشْرَبُوا فِي كُلِّ وِعَاءٍ وَلَا تَشْرَبُوا مُسْكِرًا) .
وقد روى محارب بن دثار عن أبي بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " نَهَيْتُكُمْ عَنْ ثَلَاثٍ وَأَنَا آمُرُكُمْ بِهِنَّ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا فَإِنَّ زِيَارَتَهَا تَذْكِرَةٌ. وَنَهَيْتُكُمْ عَنِ الْأَشْرِبَةِ أَنْ تَشْرَبُوا إِلَّا فِي ظَرْفِ الْأَدَمِ فَاشْرَبُوا فِي كُلِّ وِعَاءٍ غير ألا تَشْرَبُوا مُسْكِرًا، وَنَهَيْتُكُمْ عَنْ لُحُومِ الْأَضَاحِي أَنْ تَأْكُلُوهَا بَعْدَ ثَلَاثٍ فَكُلُوا وَاسْتَمْتِعُوا) .