للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فأخر بَيَانُ الْكِتَابِ عَنِ الِاسْتِفَاضَةِ فِي بَيَانِ السُّنَّةِ.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ، بِأَنَّ تَحْرِيمَ مَا ثَبَتَ تَحْلِيلُهُ نَسْخٌ، وَالنَّسْخُ لَا يَصِحُّ إِلَّا بِالنَّصِّ الْمُسْتَفِيضِ الْمُتَوَاتِرِ، فَمِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّ تَحْرِيمَ النَّبِيذِ ابْتِدَاء شَرْع، وَلَيْسَ بِنَسْخٍ، لأنهم كانوا في صدر الإسلام مستدرجين لِاسْتِبَاحَتِهَا مِنْ قَبْلُ، فَجَاءَ الشَّرْعُ بِتَحْرِيمِهَا، وَمَا هذه سبيله يَجُوزُ إِثْبَاتُ حُكْمِهِ بِأَخْبَارِ الْآحَادِ. كَمَا نَهَى عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ وَكُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِنَ الطَّيْرِ وَيَجُوزُ إِثْبَاتُهُ بِالْقِيَاسِ كَمَا جَازَ إِثْبَاتُ الرِّبَا فِي الْأُرْزِ قِيَاسًا عَلَى الْبُرِّ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَوْ كَانَ نَسْخًا، لَكَانَ مَأْخُوذًا مِنْ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ فِي الْقُرْآنِ، وَهُوَ نَصٌّ مُسْتَفِيضٌ.

وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ، وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ فِي آيَةِ الْخَمْرِ، أَنْ يُنْسَخَ بِمَا يَسْتَفِيضُ بَيَانُهُ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَفِضْ نَقْلُهُ، كَمَا حُوِّلَتِ الْقِبْلَةُ إِلَى الْكَعْبَةِ وَأَهْلُ قُبَاءَ فِي الصَّلَاةِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ. فَأَتَاهُمْ مَنْ أَخْبَرَهُمْ بِنَسْخِهَا وَتَحْوِيلِهَا إِلَى الْكَعْبَةِ فاستداروا إليها وعملوا على قوله وَاحِد.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ، بِأَنَّ مَا عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى يَجِبُ أَنْ يَعُمَّ بَيَانُهُ فَمِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّ هَذَا أَصْلٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، فَلَا نُسَلِّمُهُ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَيَانُ مَا يَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى خاصاً مِنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ، كَمَا أَنَّ تَحْرِيمَ الْكَلَامِ في الصلاة ما يعم بِهِ الْبَلْوَى، وَهُوَ مِنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَمَّا كَانَ مُلْحَقًا بِالْخَمْرِ صَارَ إِمَّا دَاخِلًا فِي اسْمِهِ فَهُوَ نَصٌّ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُشَارِكًا لَهُ فِي الْمَعْنَى فَهُوَ فَرْعٌ، لِأَصْلٍ عَمَّ بَيَانُهُ فَصَارَ بَيَانُ الْفَرْعِ عَامًّا كأصله.

والثالث: أنه لما كان يمنع هذا من تحريم النبيذ التي عِنْدَهُ، لَمْ يَمْنَعْ مِنْ تَحْرِيمِ الْمَطْبُوخِ عِنْدَنَا.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِ بِأَنَّ النَّبِيذَ بِالْمَدِينَةِ أكثر، وهم إِلَى بَيَانِ تَحْرِيمِهِ أَحْوَجُ فَمِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّ مَنْ جَعَلَ النَّبِيذَ دَاخِلًا فِي اسْمِ الْخَمْرِ فَقَدْ جَعَلَ الْعُمُومَ مُشْتَمِلًا عَلَيْهِمَا، وَهُوَ أَصَحُّ وَجْهَيْ أَصْحَابِنَا فَزَالَ بِهِ الِاسْتِدْلَالُ.

وَالثَّانِي: أَنَّ بَيَانَ تَحْرِيمِهَا لَمْ يَكُنْ مَقْصُورًا عَلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ بَلْ هُوَ لِجَمِيعِ الْخَلْقِ. وَلَئِنْ كَانَ النَّبِيذُ بِالْمَدِينَةِ أَكْثَرَ مِنَ الْخَمْرِ، فَإِنَّ الْخَمْرَ بِالشَّامِ وَفَارِسَ أَكْثَرُ مِنَ

<<  <  ج: ص:  >  >>