للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِتَوْرٍ فِيهِ مَاءٌ، فَوَضَعَ يَدَهُ فِيهِ فَجَعَلَ الْمَاءُ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ، كَأَنَّهَا الْعُيُونُ حَتَّى ارْتَوَى جَمِيعُ النَّاسِ، وَسُمِّيَتْ هَذِهِ السَّنَةُ عَامَ الْحُدَيْبِيَةَ؛ لِأَنَّهَا أَعْظَمُ مَا كَانَ فِيهَا، وَكَانَ أَبْرَكَ عَامٍ وَأَيْمَنَ صُلْحٍ، فَإِنَّهُ أَسْلَمَ فِيهِ مِنَ النَّاسِ أَكْثَرُ مِنْ جَمِيعِ مَنْ أسلم من قبل، وقرىء فِي عَقْدِ هَذَا الصُّلْحِ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ:

أَحَدُهَا: أَنَّ جَمَاعَةَ الصَّحَابَةِ كَرِهُوهُ حَتَّى قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أَلَسْتَ رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: بَلَى. قَالَ: أَوَلَسْنَا بِالْمُسْلِمِينَ؟ قَالَ: بَلَى قَالَ: أَوَلَيْسُوا بِالْمُشْرِكِينَ؟ قَالَ: بَلَى قَالَ: فَعَلَامَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا؟ قَالَ: " أَنَا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، وَلَنْ أُخَالِفَ أَمْرَهُ " فَكَانَ عُمَرُ يَقُولُ: مَا زِلْتُ أَصُومُ وَأَتَصَدَّقُ وَأُصَلِّي وَأُعْتِقُ مِنَ الَّذِي صَنَعْتُ يَوْمَئِذٍ مَخَافَةَ كَلَامِي.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَمَّا كَانَتِ الصَّحِيفَةُ ابْتَدَأَتْ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، فَقَالَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو نَعْرِفُ اللَّهَ، وَمَا نَعْرِفُ الرَّحْمَنَ الرَّحِيمَ، فَكَتَبَ سُهَيْلٌ بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ عَلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَتَبَ هَذَا مَا اصْطَلَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، فَقَالَ سُهَيْلٌ: لَوْ عَلِمْنَا أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ مَا نَازَعْنَاكَ، فَقَالَ لِعَلِيٍّ: " اكْتُبْ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ " فقال: يَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَمْحُوَ اسْمَكَ مِنَ النُّبُوَّةِ، فَمَحَاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِيَدِهِ، وَقَالَ لِعَلِيٍّ: " إِنَّكَ سَتُسَامُ إِلَى مِثْلِهَا فَتُجِيبُ "، فَكَانَ مَا دُعِيَ إِلَيْهِ فِي التَّحْكِيمِ فِي مَحْوِ اسْمِهِ مِنْ إِمَارَةِ الْمُؤْمِنِينَ.

وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ لَمَّا أَمَرَ أَصْحَابَهُ بِالنَّحْرِ وَالْحَلْقِ، تَوَقَّفُوا، فَدَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ وَشَكَى ذَلِكَ إِلَيْهَا، فقالت: ابتدئي أَنْتَ بِالنَّحْرِ وَالْحَلْقِ، فَإِنَّهُمْ سَيَتْبَعُونَكَ، فَفَعَلَ ذَلِكَ وَفَعَلُوا.

( [خُرُوجُ رُسُلِ رَسُولِ اللَّهِ إِلَى الْمُلُوكِ] )

وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ وَهِيَ سَنَةُ سِتٍّ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رُسُلَهُ إِلَى الْمُلُوكِ يَدْعُوهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَبَعَثَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ حُذَافَةَ السَّهْمِيَّ إِلَى كِسْرَى مِلْكِ الْفُرْسِ

وَبَعَثَ دِحْيَةَ بْنَ خَلِيفَةَ الْكَلْبِيِّ إِلَى قَيْصَرَ مِلْكِ الرُّومِ

وَبَعَثَ عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيَّ إِلَى النَّجَاشِيِّ مَلِكِ الْحَبَشَةِ.

وَبَعَثَ حَاطِبَ بْنَ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى الْمُقَوْقِسِ صَاحِبِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ، وَبَعَثَ شُجَاعَ بْنَ وَهْبٍ إِلَى الْحَارِثِ بْنِ أَبِي شِمْرٍ الْغَسَّانِيِّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>