الْحَرْبَ عَلَى مُتُونِ الْخَيْلِ، فَإِنْ كَانَتْ لَكَ لحق بك من وراك، وَإِنْ كَانَتْ عَلَيْكَ أَلْفَاكَ وَقَدْ أَحْرَزْتَ أَهْلَكَ وَمَالَكَ، وَلَمْ تَفْضَحْ قَوْمَكَ، فَلَمْ يُطِعْهُ مَالِكُ بْنُ عَوْفٍ فَقَالَ دُرَيْدُ بْنُ الصِّمَّةَ: هَذَا يَوْمٌ لَمْ أَشْهَدْهُ؛ وَلَمْ يَفُتْنِي:
(يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعْ ... أَخُبُّ فِيهَا وَأَضَعْ)
ثُمَّ الْتَقَى الْجَمْعَانِ، وَخَرَجَتِ الْكَتَائِبُ فِي غَلَسِ الصُّبْحِ مِنْ مَضِيقِ الْوَادِي وَخَرَجَ كَمِينُ هَوَازِنَ مِنْ شِعَابِهِ، فَانْهَزَمَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي أَوَّلِ اللِّقَاءِ بَنُو سُلَيْمٍ، ثُمَّ تَبِعَهُمْ فِي الْهَزِيمَةِ أَهْلُ مَكَّةَ، ثُمَّ تَبِعَهُمُ النَّاسُ فِي الْهَزِيمَةِ أَفْوَاجًا حَتَّى بَقِيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَرَبِيعَةُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، وَالْفَضْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَأَيْمَنُ بْنُ عُبَيْدٍ أَخُو أُسَامَةَ مِنْ أُمِّهِ، وَتَكَلَّمَ جُفَاةُ أَهْلِ مَكَّةَ حِينَ رَأَوُا الْهَزِيمَةَ بِمَا فِي نُفُوسِهِمْ من الضغين وَضَرَبَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ بِأَزْلَامٍ كَانَتْ فِي كِنَانَتِهِ، وَقَالَ: قُتِلَ مُحَمَّدٌ وَغُلِبَتْ هَوَازِنُ، وَقَالَ كَلَدَةُ بْنُ الْحَنْبَلِ أَلَا بَطَلَ السِّحْرُ الْيَوْمَ! فَقَالَ لَهُ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ كَانَ أَخَاهُ لِأُمِّهِ: اسْكُتْ فَضَّ اللَّهُ فَاكَ قَالَ: فوالله لأن ير بني رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يُرَبِّيَنِي رَجُلٌ مِنْ هَوَازِنَ، وَصَفْوَانُ يَوْمَئِذٍ مُشْرِكٌ فِي شُهُورِ خِيَارِهِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَدِ انْحَازَ ذَاتَ الْيَمِينِ فَنَادَى إِلَيَّ عِبَادِ اللَّهِ أَنَا رَسُولُ اللَّهِ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ " فَمَا رُئِيَ فِي النَّاسِ أَشْجَعُ مِنْهُ، وَأَمَرَ الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَكَانَ آخِذًا بِلِجَامِ بَغْلَتِهِ الشَّهْبَاءِ، وَهُوَ رَجُلٌ جَهِيرُ الصَّوْتِ، أَنْ يُنَادِيَ فِي النَّاسِ: يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ يَا أَصْحَابَ السَّمُرَةِ؛ يَا أَهْلَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، فَأَجَابَهُ مَنْ سَمِعَهُ: لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ، وَتَبِعُوا الصَّوْتَ فَلَمَّا اجْتَمَعَ مِنْهُمْ مِائَةُ رَجُلٍ اسْتَقْبَلُوا النَّاسَ، فَاقْتَتَلُوا وَتَلَاحَقَ بِهِمُ النَّاسُ، فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَفَّ تُرَابٍ أَلْقَاهُ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ: شَاهَتِ الْوُجُوهُ حاميم لَا يُبْصِرُونَ وَاجْتَلَدَ الْقَوْمُ، فَلَمَّا أَشْرَفَ رَسُولُ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَلَى مُجْتَلَدِهِمْ قَالَ: الْآنَ حَمَى الْوَطِيسُ فَوَلَّتْ هَوَازِنُ مُنْهَزِمَةً وَثَبَتَ بَعْدَهُمْ ثَقِيفٌ فَقُتِلَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ رَجُلًا عِدَّةَ مَنْ قُتِلَ بِبَدْرٍ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ " فَقَتَلَ أَبُو طلحة عشرين
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute