فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [النصر: ١] فَمِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْفَتْحَ يَنْطَلِقُ عَلَى الصُّلْحِ وَالْعَنْوَةِ؛ لِقَوْلِهِمْ: فُتِحَتْ مَكَّةُ صُلْحًا، وَفُتِحَتْ عَنْوَةً؛ لِأَنَّ الْفَتْحَ هُوَ الظَّفَرُ بِالْبَلَدِ بَعْدَ امْتِنَاعِهِ وَكِلَا الْأَمْرَيْنِ ظَفَرٌ بِمُمْتَنَعٍ.
وَالثَّانِي: أَنَّ هَذِهِ السُّورَةَ نَزَلَتْ بَعْدَ فُتُوحِهِ كُلِّهَا، فَكَانَتْ خَبَرًا عَنْ مَاضِيهَا قَالَ مُقَاتِلٌ: نَزَلَتْ بَعْدَ فَتْحِ الطَّائِفِ، وَالطَّائِفُ آخِرُ فُتُوحِهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِنَّ آخِرَ وَطْأَةٍ وَطِئَهَا اللَّهُ بِوَجٍّ " يَعْنِي آخَرَ مَا أَظْفَرَ اللَّهُ بِالْمُشْرِكِينَ بِوَجٍّ وَوَجٌّ هِيَ الطَّائِفُ، فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ فَرِحَ بِهَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَبَكَى الْعَبَّاسُ لَهَا فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: مَا يُبْكِيكَ يَا عَمِّ قَالَ: نُعِيَتْ إِلَيْكَ نَفْسُكَ قَالَ: إِنَّهُ لَكمَا تَقُولُ، وَسُمِّيَتْ هَذِهِ السُّورَةُ سُورَةَ التَّوْدِيعِ.
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} [الفتح: ١] فَمِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: مَا حَكَاهُ الشَّعْبِيُّ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ؛ لِأَنَّهُ أَصَابَ فِيهَا مَا لَمْ يُصِبْ فِي غَيْرِهَا بُويِعَ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ، وَأُطْعِمُوا نَخْلَ خَيْبَرَ، وَظَهَرَتِ الرُّومُ عَلَى فَارِسَ، تَصْدِيقًا لِخَبَرِهِ وَبَلَغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ.
وَالثَّانِي: أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي فَتْحِ مَكَّةَ، وَالْفَتْحُ يَكُونُ عَلَى كِلَا الْوَجْهَيْنِ:
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ} [الفتح: ٢٤] فَهُوَ أَنَّ الْكَفَّ يَمْنَعُ مِنَ الْقِتَالِ، وَقَوْلُهُ {مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ} [الفتح: ٢٤] فَهُوَ أَنَّهُ قَدْ أَظْفَرَهُ بِهِمْ حِينَ لَمْ يُقَاتِلُوهُ وَاسْتَسْلَمُوا عَفْوًا، فَكَانَ أَبْلَغَ الظَّفَرِ بَعْدَ الْمُحَارَبَةِ، وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَنَّهَا نَزَلَتْ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ وَأَنَّ قَوْلَهُ: {بِبَطْنِ مكة} يَعْنِي الْحَرَمَ، وَحُكِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ مَضْرِبَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الْحُدَيْبِيَةِ قَدْ كَانَ فِي الْحِلِّ، وَمُصَلَّاهُ فِي الْحَرَمِ، وَقَدْ يُعَبَّرُ بِمَكَّةَ عَنِ الْحَرَمِ، وهذا تكلف فِي الْجَوَابِ يُخَالِفُ الظَّاهِرَ.
فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قوله تعالى: {قاتلوهم يعذبهم الله بأيدكم} [التوبة: ١٤] فَهُوَ أَنَّهُ أُمِرَ بِقِتَالِهِمْ إِنِ امْتَنَعُوا، وَبِالْكَفِّ عَنْهُمْ إِنِ اسْتَسْلَمُوا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا} [الأنفال: ٦١] وَهُمْ يَوْمَ الْفَتْحِ اسْتَسْلَمُوا وَلَمْ يَمْتَنِعُوا.
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قوله: {فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ} [محمد: ٣٥] فَهُوَ أَنَّ النَّهْيَ تَوَجَّهَ إِلَى أَنْ يَدْعُوَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى الصُّلْحِ، وَهُمْ مَا دَعَوْا إِلَيْهِ وَإِنَّمَا دَعَا إِلَيْهِ الْمُشْرِكُونَ، فَخَرَجَ عَنِ النَّهْيِ.
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ الِاسْتِدْلَالِ بِصِفَةِ مَسِيرِهِ وَقَسَمِهِ بِاللَّهِ أن يغزوهم ودخوله إليه بِسُيُوفٍ مَشْهُورَةٍ وَرَايَاتٍ مَنْشُورَةٍ، فَمِنْ وَجْهَيْنِ