للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مسلمٍ في كل عامٍ أضحاةٌ عتيرة "، وَالْعَتِيرَةُ ذَبِيحَةٌ كَانَتْ تُذْبَحُ فِي رَجَبٍ، كَمَا تُذْبَحُ الْأُضْحِيَّةُ فِي ذِي الْحِجَّةِ، فَنُسِخَتِ الْعَتِيرَةُ وَبَقِيَتِ الْأُضْحِيَّةُ.

وَرَوَى الشَّافِعِيُّ عَنْ سُفْيَانَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لا فرعة وَلَا عَتِيرَةَ " قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالْفَرَعَةُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ أَوَّلُ مَا تُنْتَجُ النَّاقَةُ، يَقُولُونَ: لَا يَمْلِكُهَا وَيَذْبَحُهَا رَجَاءَ الْبَرَكَةِ فِي لَبَنِهَا وَكَثْرَةِ نسلها. القول في حكم الأضحية

فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الضَّحَايَا مَأْمُورٌ بِهَا، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي وُجُوبِهَا عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ:

أَحَدُهَا: وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، إِنَّهَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، وَلَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ عَلَى مُقِيمٍ وَلَا مُسَافِرٍ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ.

وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ.

وَالْمَذْهَبُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ: إِنَّهَا وَاجِبَةٌ عَلَى الْمُقِيمِ وَالْمُسَافِرِ وَبِهِ قَالَ رَبِيعَةُ وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ.

وَالْمَذْهَبُ الثَّالِثُ: - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - إِنَّهَا وَاجِبَةٌ عَلَى الْمُقِيمِ دُونَ الْمُسَافِرِ احْتِجَاجًا فِي الْوُجُوبِ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) {الكوثر: ٢) . وَهَذَا أَمْرٌ، وَبِحَدِيثِ أَبِي رَمْلَةَ عَنْ مِحْنَفِ بْنِ سُلَيْمٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فِي كُلِّ عَامٍ أضحاةٌ وعتيرةٌ " وَبِرِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " مَنْ لَمْ يُضَحِّ فَلَا يَشْهَدْ مُصَلَّانَا " وَهَذَا وَعِيدٌ يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ، وَبِرِوَايَةِ بِشْرِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ أَبَا بُرْدَةَ بْنَ نيار ذبح أضحة قَبْلَ الصَّلَاةِ، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنْ يُعِيدَ، فَدَلَّ الْأَمْرُ بِالْإِعَادَةِ عَلَى الْوُجُوبِ، قَالُوا: وَلِأَنَّ حُقُوقَ الْأَمْوَالِ إِذَا اخْتُصَّتْ بِالْعِيدِ وَجَبَتْ كَالْفِطْرَةِ، قَالُوا: وَلِأَنَّ مَا وَجَبَ بِالنَّذْرِ كَانَ لَهُ أَصْلُ وُجُوبٍ فِي الشَّرْعِ كَالْعِتْقِ، وَلِأَنَّ تَوْقِيتَ زَمَانِهَا وَالنَّهْيَ عَنْ مَعِيبِهَا دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِهَا، كَالزَّكَوَاتِ، وَدَلِيلُنَا: مَا رَوَاهُ مِنْدَلٌ عَنِ ابْنِ خَبَّابٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " الْأَضَاحِيُّ عليَّ فريضةٌ وَعَلَيْكُمْ سنةٌ " وَهَذَا نص.

<<  <  ج: ص:  >  >>