للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَرَوَى عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " ثلاثٌ كُتِبَتْ عليَّ وَلَمْ تُكْتَبْ عَلَيْكُمْ الْوِتْرُ وَالنَّحْرُ وَالسِّوَاكُ ".

وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلَا يَمَسَّ مِنْ شَعْرِهِ وَلَا بَشَرِهِ شَيْئًا " فَعَلَّقَ الْأُضْحِيَّةَ بِالْإِرَادَةِ، وَلَوْ وَجَبَتْ لَحَتَّمَهَا فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ قَالَ: " مَنْ أَرَادَ مِنْكُمُ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ " فَلَمْ يَدُلَّ تَعْلِيقُ الْجُمُعَةِ عَلَى الْإِرَادَةِ عَلَى أَنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ، كَذَلِكَ الْأُضْحِيَّةُ، قُلْنَا إِنَّمَا عَلَّقَ بِالْإِرَادَةِ الْغُسْلَ دُونَ الْجُمُعَةِ، وَالْغُسْلُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ فَكَذَلِكَ الْأُضْحِيَّةُ.

وَرُوِيَ عَنِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ مَا يَنْعَقِدُ بِهِ الْإِجْمَاعُ عَلَى سُقُوطِ الْوُجُوبِ، فَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ أَنَّهُمَا كَانَا لَا يُضَحِّيَانِ مَخَافَةَ أَنْ يُرَى أَنَّهَا وَاجِبَةٌ.

وَرُوِيَ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: لَا أُضَحِّي وَأَنَا موسرٌ لِئَلَّا يُقَدِّرَ جِيرَانِي أَنَّهَا واجبةٌ عليَّ.

وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ أَعْطَى عِكْرِمَةَ درهمين، وأمره أن يشري بِهَا لَحْمًا، وَقَالَ: مَنْ سَأَلَكَ عَنْ هَذَا فَقُلْ: هَذِهِ أُضْحِيَّةُ ابْنِ عَبَّاسٍ فَإِنْ قِيلَ: فَلَعَلَّ ذَلِكَ لِعُدْمٍ، قِيلَ: قَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: عِنْدِي نَفَقَةُ ثَمَانِينَ سَنَةً، كُلَّ يَوْمٍ أَلْفٌ.

وَمِنَ الْقِيَاسِ: أَنَّهُ إِرَاقَةُ دَمٍ، لَا تَجِبُ عَلَى الْمُسَافِرِ، فَلَا تَجِبُ عَلَى الْحَاضِرِ كَالْعَقِيقَةِ، وَلِأَنَّ مَنْ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ الْعَقِيقَةُ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ الْأُضْحِيَّةُ كَالْمُسَافِرِ، وَلِأَنَّهَا أُضْحِيَّةٌ لَا تَجِبُ عَلَى الْمُسَافِرِ فَلَمْ تَجِبْ عَلَى الْحَاضِرِ، كَالْوَاجِدِ لِأَقَلَّ مِنْ نِصَابٍ، وَلِأَنَّ مَا سَقَطَ وُجُوبُهُ بِفَوَاتِ وَقْتِهِ مَعَ إِمْكَانِ الْقَضَاءِ سَقَطَ وُجُوبُهُ فِي وَقْتِهِ مَعَ إِمْكَانِ الْأَدَاءِ، كَسَائِرِ السُّنَنِ طَرْدًا، وَجَمِيعِ الْفُرُوضِ عَكْسًا، وَلِأَنَّ كُلَّ ذَبِيحَةٍ حَلَّ لَهُ الْأَكْلُ مِنْهَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا ذَبْحُهَا كَالتَّطَوُّعِ طَرْدًا، وَدَمِ الْمَنَاسِكِ عَكْسًا.

فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ الْآيَةِ، فَهُوَ مَا ذَكَرْنَاهُ، مِنِ اخْتِلَافِ التَّأْوِيلِ فِيهَا، ثُمَّ لَا يُمْنَعُ حَمْلُهَا عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، لِمَا ذَكَرْنَا.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " عَلَى كُلِّ مسلمٍ فِي كُلِّ عامٍ أضحاةٌ وعتيرةٌ " فمن وجهين:

<<  <  ج: ص:  >  >>