للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْخِنْصَرِ، وَلَمْ يَحْنَثْ بِلُبْسِهِ فِي الْإِبْهَامِ اعْتِبَارًا بِالْعَادَةِ، وَتَخْصِيصًا بِالْعُرْفِ.

وَأَمَّا الْعُرْفُ الْخَاصُّ فَكَقَوْلِهِ: وَاللَّهِ لَا قَتَلْتُ، وَلَا ضَرَبْتُ، فَأَمَرَ بِالْقَتْلِ والضرب، وحنث بِهِ الْمُلُوكُ دُونَ السُّوقَةِ، لِأَنَّ الْعُرْفَ فِي أَفْعَالِ الْمُلُوكِ الْأَمْرُ بِهَا، وَفِي أَفْعَالِ السُّوقَةِ مُبَاشَرَتُهَا.

وَلَوْ قَالَ: وَاللَّهِ لَا نَسَجْتُ ثَوْبًا، فَاسْتَنْسَجَهُ، حَنِثَ بِهِ مَنْ لَا يُحْسِنُ النِّسَاجَةَ، وَلَمْ يَحْنَثْ بِهِ مَنْ يُحْسِنُهَا، وَلَوْ قَالَ: وَاللَّهِ لَا تَصَدَّقْتُ حَنِثَ الْأَغْنِيَاءُ بِدَفْعِهَا، وَحَنِثَ الْفُقَرَاءُ بِأَخْذِهَا اعْتِبَارًا بِالْعُرْفِ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ.

وَلَوْ قَالَ: وَاللَّهِ لَا طُفْتُ وَلَا سَعَيْتُ حَنِثَ أَهْلُ مَكَّةَ بِالطَّوَافِ بِالْبَيْتِ، وَبِالسَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَحَنِثَ غَيْرُهُمْ بِالسَّعْيِ عَلَى الْقَدَمِ، وَالطَّوَافِ فِي الْأَسْوَاقِ، وَحَنِثَ أَهْلُ الْوُشَاةِ بِالسَّعْيِ إِلَى الْوُلَاةِ.

وَلَوْ قَالَ: وَاللَّهِ لَا خَتَمْتُ، حَنِثَ الْقَارِئُ بِخَتْمِ الْقُرْآنِ، وَحَنِثَ التَّاجِرُ بِخَتْمِ كِيسِهِ، لِأَنَّهُ عُرْفُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا.

وَلَوْ قَالَ: والله لا وَلَوْ قَالَ: وَاللَّهِ لَا قَرَأْتُ، حَنِثَ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَلَمْ يَحْنَثْ بِقِرَاءَةِ الشِّعْرِ.

وَلَوْ قَالَ والله لا تكلمت حنث بجميع الكلام، وبإنشاد الشِّعْرِ، وَلَمْ يَحْنَثْ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، لِخُرُوجِهِ بِالْإِعْجَازِ عَنْ جِنْسِ الْكَلَامِ الَّذِي ليس فيه إعجاز.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَحْنَثُ بِالْقُرْآنِ مِنْ غَيْرِ الصَّلَاةِ، وَلَا يَحْنَثُ بِهِ فِي الصَّلَاةِ، وَلَيْسَ لِاخْتِلَافِ الْحَالَيْنِ تَأْثِيرٌ فِيهِ إِنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ الْكَلَامِ أَوْ لَمْ يَكُنْ، فَلَمْ يَكُنْ لِلْفَرْقِ بَيْنَ الْحَالَيْنِ وَجْهٌ.

فَهَذَا حُكْمُ الْمَخْصُوصِ بِالْعُرْفِ، فَقِسْ عَلَيْهِ نَظَائِرَهُ.

وَأَمَّا الْوَجْهُ الرَّابِعُ: فِي تَخْصِيصِ الْعُمُومِ بِالِاسْتِثْنَاءِ، فَهُوَ الْقَوْلُ الْمُخْرِجُ مِنْ لَفْظِ الْيَمِينِ بَعْضَ مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ، وَلَهُ شَرْطَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا بِهَا، فَإِنِ انْفَصَلَ عَنْهَا بَطَلَ.

وَالثَّانِي: أَنْ يُخَالِفَ حُكْمَ الْيَمِينِ، فَإِنْ كَانَتْ عَلَى نَفْيٍ كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ إِثْبَاتًا، وَإِنْ كَانَتْ عَلَى إِثْبَاتٍ كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ نَفْيًا.

وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ هَلْ يَفْتَقِرُ إِلَى اعْتِقَادِهِ فِي أَوَّلِ الْيَمِينِ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: إنَّ اعْتِقَادَهُ مَعَ أَوَّلِ الْيَمِينِ شَرْطٌ فِي صِحَّتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَعْتَقِدْهُ بَطَلَ حُكْمُهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنْ كَانَ حُكْمُهُ فِي الظَّاهِرِ صَحِيحًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>