للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَجُوزُ أَنْ يُحْبَسَ عَلَى تَعْدِيلِ الْبَيِّنَةِ لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَلْزَمُ إِلَّا بَعْدَ ثُبُوتِ عَدَالَتِهِمَا.

فَإِنْ قِيلَ: بِجَوَازِ حَبْسِهِ لَمْ يَجُزْ إِطْلَاقُهُ وَلَا إِعَادَتُهُ إِلَى حَبْسِهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِدْعَاءٍ لِخُصُومِهِ لِبَقَائِهِ عَلَى حَالِهِ.

وَإِنْ قِيلَ: بِأَنَّ حَبْسَهُ لَا يَجُوزُ نَظَرَ فَإِنْ كَانَ الْقَاضِي قَالَ قَدْ حَكَمْتُ بِحَبْسِهِ لَزِمَ حَبْسُهُ بِاجْتِهَادِهِ وَلَمْ يَجُزْ إِطْلَاقُهُ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ قَدْ حَكَمْتُ بِحَبْسِهِ وَجَبَ إِطْلَاقُهُ لَكِنْ لَا يُعَجِّلُ بِإِطْلَاقِهِ حَتَّى يُنَادِيَ فِي النَّاسِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَنَّ الْقَاضِيَ قَدْ حَكَمَ بِإِطْلَاقِ فُلَانٍ مِنْ حَبْسِهِ فَإِنْ كَانَ لَهُ خَصْمٌ قَدْ حُبِسَ لَهُ فَلْيَحْضُرْ ثُمَّ يُطْلِقُهُ بَعْدَ الثَّلَاثَةِ.

وَالْحَالُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يَقُولَ حَبَسَنِي تَعَدِّيًا بِغَيْرِ حَقٍّ وَلِغَيْرِ خَصْمٍ فَقَدِ ادَّعَى مَا يُخَالِفُ الظَّاهِرَ مِنْ أَحْوَالِ الْقُضَاةِ وَحَبْسُهُ حُكْمٌ فَلَا يُنْقَضُ إِلَّا بِيَقِينِ الْفَسَادِ وَعَمَلٍ عَلَى بَيِّنَةٍ إِنْ كَانَتْ.

فَإِنْ شَهِدَتْ أَنَّهُ حُبِسَ بِحَقٍّ عَزَّرَ فِي جَرْحِهِ لِحَابِسِهِ.

وَإِنْ شَهِدَتْ أَنَّهُ حُبِسَ لِظُلْمٍ نَادَى ثَلَاثًا فِي حُضُورِ خَصْمٍ إِنْ كَانَ لَهُ ثُمَّ أَطْلَقَ بَعْدَ ثَلَاثَةٍ إِنْ لَمْ يَحْضُرْ.

وَإِنْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ أَعَادَهُ إِلَى حَبْسِهِ وَيَكْشِفُ عَنْ حَالِهِ وَكَانَ مُقِيمًا فِي حَبْسِهِ حَتَّى يَيْأَسَ الْقَاضِي بَعْدَ الْكَشْفِ مِنْ ظُهُورِ حَقٍّ عَلَيْهِ، وَطَالَبَهُ بِكَفِيلٍ بِنَفْسِهِ ثُمَّ أَطْلَقَهُ.

فَإِنْ قِيلَ: فَالْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ لَا تَصِحُّ إِلَّا مِمَّنْ ثَبَتَ عَلَيْهِ حَقٌّ قَبْلَ الْحَبْسِ مِنْ جُمْلَةِ الْحُقُوقِ.

فَإِنْ عَدَمَ كَفِيلًا اسْتَظْهَرَ فِي بَقَاءِ حَبْسِهِ عَلَى طَلَبِ كَفِيلٍ ثُمَّ أَطْلَقَهُ عِنْدَ إِعْوَازِهِ وَهُوَ غَايَةُ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ الْقَاضِي مِنِ اسْتِظْهَارِهِ.

وَالْحَالُ الرَّابِعَةُ: أَنْ يَقُولَ: حَبَسَنِي لِخَصْمٍ بِمَا لَا يَسْتَحِقُّ لِأَنَّنِي أَرَقْتُ عَلَيْهِ خَمْرًا أَوْ قَتَلْتُ لَهُ خِنْزِيرًا.

فَإِنْ كَانَ الْخَصْمُ مُسْلِمًا لَمْ يَكُنْ لَهُ حَقٌّ بِاسْتِهْلَاكِ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَكَانَ حَبْسُهُ بِهِ ظُلْمًا يَجِبُ إِطْلَاقُهُ مِنْهُ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى سُقُوطِ غُرْمِهِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ.

وَإِنْ كَانَ الْخَصْمُ ذِمِّيًّا فَإِنْ كَانَ الْقَاضِي شَافِعِيًّا لَا يَرَى وُجُوبَ غُرْمِهِ كَانَ حُكْمُهُ بَاطِلًا لِأَنَّهُ حَكَمَ بِمَا لَا يَرَاهُ فِي اجْتِهَادِهِ، وَصَارَ الْقَاضِي الثَّانِي هُوَ الْحَاكِمَ.

فَإِنْ كَانَ شَافِعِيًّا أَيْضًا لَا يَرَى وُجُوبَ الْغُرْمِ كَالْأَوَّلِ حَكَمَ بِإِطْلَاقِ الْمَحْبُوسِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>