الْإِمَامِ.
وَإِنْ كَانَتْ عَدَالَةُ الرُّوَاةِ شَرْطًا فِي صِحَّةِ الْحَدِيثِ لَمْ يَخْلُ حَالُهُمْ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ.
أَحَدُهَا: أَنْ تُعْلَمَ عَدَالَتُهُمْ فَيُحْكَمُ بِصِحَّةِ الْحَدِيثِ.
وَالثَّانِي: أَنْ يُعْلَمَ جَرْحُهُمْ أَوْ جَرْحُ أَحَدِهِمْ فَلَا يُحْكَمُ بِصِحَّتِهِ.
وَالثَّالِثُ: أَنْ تُجْهَلَ أَحْوَالُهُمْ فِي الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ رِوَايَتَهُمْ مَقْبُولَةٌ مَا لَمْ يُعْلَمِ الْجَرْحُ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا تُقْبَلُ مَا لَمْ يُعْلَمِ التَّعْدِيلُ، فَيُكْشَفُ عَنْ عَدَالَتِهِمْ.
فَإِنْ شَهِدَ قَوْمٌ بِعَدَالَتِهِمْ وَشَهِدَ قَوْمٌ بِجَرْحِهِمْ حُكِمَ بِالْجَرْحِ دُونَ التَّعْدِيلِ.
وَلَا يُقْبَلُ الْجَرْحُ حَتَّى يُذْكَرَ مَا صَارَ بِهِ مَجْرُوحًا.
فَإِنْ وَجَدُوهُ قَدْ كَذَبَ فِي حَدِيثٍ وَاحِدٍ وَجَبَ إِسْقَاطُ جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَحَادِيثِهِ وَوَجَبَ نَقْضُ مَا عُمِلَ بِهِ مِنْهَا، وَإِنْ لَمْ يُنْقَضِ الْحُكْمُ بِشَهَادَةِ مَنْ حَدَثَ فِسْقُهُ لِأَنَّ الْحَدِيثَ حُجَّةٌ لَازِمَةٌ لِجَمِيعِ النَّاسِ، وَفِي جَمِيعِ الْأَعْصَارِ فَكَانَ حُكْمُهُ أَغْلَظَ مِنَ الشَّهَادَةِ الْخَاصَّةِ. وَفِي تَعْدِيلِ الرَّاوِي وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَجْرِيَ مَجْرَى الْخَبَرِ، لِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِي عُمُومِ الْأَخْبَارِ فَعَلَى هَذَا يُقْبَلُ فِي عَدَالَتِهِ خَبَرُ الْوَاحِدِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُقْبَلَ فِيهِ خَبَرُ الْمُحَدِّثِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ يَجْرِي مَجْرَى الشَّهَادَةِ، لِأَنَّهُ حُكْمٌ عَلَى غَائِبٍ فَعَلَى هَذَا لَا يُقْبَلُ فِي تَعْدِيلِهِ أَقَلُّ مِنْ شَاهِدَيْنِ.
وَفِي جَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْمُحَدِّثُ أَحَدَهُمَا وَجْهَانِ، كَمَا لَوْ عَدَلَ شُهُودُ الْفَرْعِ لِشُهُودِ الْأَصْلِ.
فَأَمَّا الْجَرْحُ فَلَا يُقْبَلُ فِيهِ أَقَلُّ مِنْ شَاهِدَيْنِ، لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى بَاطِنٍ مَغِيبٍ.
فَأَمَّا الصَّحَابَةُ فَلَيْسَ يُعْتَبَرُ فِيهِمْ إِلَّا صِحَّةُ صُحْبَتِهِمْ وَإِذَا صَحَّتِ الصُّحْبَةُ قُبِلَتْ أَحَادِيثُهُمْ إِذَا خَرَجُوا عَمَّنِ اشْتُهِرَ بِالنِّفَاقِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى اختار لرسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَنْ رَضِيَ عَنْهُمْ وَوَصَفَهُمْ بِالرَّأْفَةِ وَالرَّحْمَةِ بَيْنَهُمْ فَقَالَ تَعَالَى {رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يبتغون فضلا من الله ورضوانا} [الفتح: ٢٩] .
( [القول فيمن عرف من الرواة بالتدليس] )
وَأَمَّا مَنْ عُرِفَ مِنَ الرُّوَاةِ بِالتَّدْلِيسِ فَصِنْفَانِ:
أَحَدُهُمَا: مَنْ عُرِفَ بِتَدْلِيسِ مُتُونِ الْأَحَادِيثِ فَهَذَا مُطْرَحُ الْأَحَادِيثِ مَجْرُوحُ الْعَدَالَةِ وَهُوَ مِمَّنْ يُحَرِّفُ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ فَكَانَ بِالتَّكْذِيبِ أَحَقَّ.