للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالشَّرْطُ الرَّابِعُ: أَنْ يَنْتَشِرَ فِي جَمِيعِ أَهْلِ الْعَصْرِ فَيَكُونُوا فِيهِ بَيْنَ مُعْتَرِفٍ بِهِ أَوْ رَاضٍ بِهِ.

فَإِنِ انْتَشَرَ فِيهِمْ وَأَمْسَكُوا عَنْهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَظْهَرَ مِنْهُمُ اعْتِرَافٌ أَوْ رِضًى فَهُوَ ضَرْبَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ فِي عَصْرِ الصَّحَابَةِ.

وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ فِي غَيْرِهِ مِنَ الْأَعْصَارِ.

فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ عَصْرِ الصَّحَابَةِ فَلَا يَكُونُ انْتِشَارُ قَوْلِ الْوَاحِدِ مِنْهُمْ مَعَ إِمْسَاكِ غَيْرِهِ إِجْمَاعًا وَلَا حُجَّةً، لِأَنَّهُمْ قَدْ يُعْرِضُونَ عَمًّا لَا يَتَعَيَّنُ فَرْضُهُ عَلَيْهِمْ.

وَإِنْ كَانَ فِي عَصْرِ الصَّحَابَةِ الَّذِي قَدْ خَصَّهُ اللَّهُ بِفَضْلِ أَهْلِهِ وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ بِأَيِّهِمُ اقْتَدَيْتُمُ اهْتَدَيْتُمْ " وَقَالَ: " خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي ثُمَّ مِنْ يَلِيهِمْ ".

فَإِذَا قَالَ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ قَوْلًا أَوْ حَكَمَ بِهِ فَأَمْسَكَ الْبَاقُونَ عَنْهُ، فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ فِيمَا يَفُوتُ اسْتِدْرَاكُهُ، كَإِرَاقَةِ دَمٍ، أَوِ اسْتِبَاحَةِ فَرْجٍ، فَيَكُونُ إِجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُمْ لَوِ اعْتَقَدُوا خِلَافَهُ لَأَنْكَرُوهُ، إِذْ لَا يَصِحُّ مِنْهُمْ أَنْ يَتَّفِقُوا عَلَى إِقْرَارِ مُنْكَرٍ.

وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَفُوتُ اسْتِدْرَاكُهُ كَانَ حُجَّةً لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَخْرُجُ عَنْ غَيْرِهِمْ.

وَفِي كَوْنِهِ إِجْمَاعًا يَمْنَعُ مِنْ الِاجْتِهَادِ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا:

أَحَدُهُمَا: يَكُونُ إِجْمَاعًا لَا يُسَوَّغُ مَعَهُ الِاجْتِهَادُ لِأَنَّ عَدَمَ الْخِلَافِ مَعَ الِانْتِشَارِ يَمْنَعُ مِنْ إِثْبَاتِ الْخِلَافِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَكُونُ إِجْمَاعًا وَالِاجْتِهَادَ مَعَهُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ مَنْ نَسَبَ إِلَى سَاكِتٍ قَوْلًا أَوِ اعْتِقَادًا فَقَدِ افْتَرَى عَلَيْهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ هَذَا الْقَوْلُ حُكْمًا أَوْ فُتْيَا.

وَفَرَّقَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ بَيْنَهُمَا فَجَعَلَهُ إِجْمَاعًا إِنْ كَانَ فُتْيَا، وَلَمْ يَجْعَلْهُ إِجْمَاعًا إِنْ كَانَ حُكْمًا لِجَوَازِ الِاعْتِرَاضِ عَلَى الْمُفْتِي. وَتَرَكَ الِاعْتِرَاضَ عَلَى الْحَاكِمِ لِمَا فِيهِ مِنْ شَقِّ الْعَصَا.

وَعَكَسَهُ غَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا فَجَعَلَهُ إِجْمَاعًا إِنْ كَانَ حُكْمًا وَلَمْ يَجْعَلْهُ إِجْمَاعًا إِنْ كَانَ فُتْيَا؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ فِي الْأَغْلَبِ يَكُونُ عَنِ الْمُشَاوَرَةِ وَفِي الْفُتْيَا عَنِ اسْتِبْدَادٍ.

وَكِلَا الْفَرْقَيْنِ فَاسِدٌ لِاشْتِرَاكِ الْحُكْمِ وَالْفُتْيَا فِي وُجُوبِ الِاجْتِهَادِ.

وَأَمَّا إِنْ لَمْ يَنْتَشِرْ قَوْلُ الْوَاحِدِ مِنَ الصَّحَابَةِ فِي جَمِيعِهِمْ وَلَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ خِلَافٌ مِنْ أَحَدِهِمْ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ الْقَوْلُ إِجْمَاعًا، لِأَنَّهُمْ مَا عَرَفُوهُ، فَيَرْضُوا بِهِ أَوْ ينكروه.

<<  <  ج: ص:  >  >>