تَسْتَتِرَ إِنْ كَانَ الثَّوْبُ قَرِيبًا مِنْهَا،، وَتَبْنِيَ عَلَى صَلَاتِهَا، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ ذَلِكَ، أَوْ كَانَ الثَّوْبُ بَعِيدًا مِنْهَا بَطَلَتْ صَلَاتُهَا "
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ حُكْمَ الْعَوْرَاتِ وَتَفْصِيلَهَا وَدَلَّلْنَا عَلَى إِيجَابِ سَتْرِهَا، وَذَكَرْنَا عَوْرَةَ الرَّجُلِ، وَعَوْرَةَ الْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ، وَعَوْرَةَ الْأَمَةِ، فَإِذَا تَقَرَّرَتْ تِلْكَ الْجُمْلَةُ فَقَدْ عُلِمَ أَنَّ رَأْسَ الْأَمَةِ وَشَعْرَهَا لَيْسَ بِعَوْرَةٍ وَأَنَّ صَلَاتَهَا مَكْشُوفَةَ الرَّأْسِ جَائِزَةٌ، لِأَنَّ الْمُصَلِّيَ يَلْزَمُهُ سَتْرُ عَوْرَتِهِ وَرَأْسُ الْأَمَةِ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ وَلَمْ يَلْزَمْهَا سَتْرُهُ، فَإِذَا صَلَّتِ الْأَمَةُ بَعْضَ الصَّلَاةِ وَرَأْسُهَا مَكْشُوفٌ ثُمَّ أُعْتِقَتْ قَبْلَ تَمَامِهَا فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهَا تَغْطِيَةُ رَأْسِهَا لِكَوْنِهَا حُرَّةً فَلَا تَصِحُّ صَلَاتُهَا إلا مستورة
وإذ تقرر الأمر على هذا فليس يخلوا حَالُهَا مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ، إِمَّا أَنْ يَكُونَ واحدة لِمَا تَسْتُرُ رَأْسَهَا أَوْ عَادِمَةً، فَإِنْ عَدِمَتْ مَا تَسْتُرُ بِهِ بَنَتْ عَلَى صَلَاتِهَا وَأَجْزَأَتْهَا سَوَاءٌ عَلِمَتْ بِعِتْقِهَا أَمْ لَا، لِأَنَّهَا لَيْسَتْ أَسْوَأَ حَالًا مِنَ الْعُرْيَانِ الَّذِي لَا يَجِدُ ثوباً فيصلي عريان، ولا إعادة عليه وإن كانت واحدة لِمَا تَسْتَتِرُ بِهِ فَلَهَا حَالَانِ
أَحَدُهُمَا: أَنْ تَعْلَمَ عِتْقَهَا فِي الصَّلَاةِ
وَالثَّانِي: أَنْ لَا تعلم به إلا بعد تَقْضِيَ تِلْكَ الصَّلَاةَ، فَإِنْ عَلِمَتْ بِعِتْقِهَا فِي الصَّلَاةِ فَلَيْسَ يَخْلُو الثَّوْبُ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ، إِمَّا أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا أَوْ بَعِيدًا، فَإِنْ كان الثوب قريباً وجب عليه تَنَاوُلُهُ وَالِاسْتِتَارُ بِهِ، فَإِذَا اسْتَتَرَتْ بِهِ فِي الْحَالِ بَنَتْ عَلَى صَلَاتِهَا مَا لَمْ يَكُنْ فِي أَخْذِهِ اسْتِدْبَارُ الْقِبْلَةِ، لِأَنَّهُ عَمَلٌ قَلِيلٌ فَأَمَّا إِنِ اسْتَدْبَرَتِ الْقِبْلَةَ فِي أَخْذِهَا فَصَلَاتُهَا بَاطِلَةٌ، لِأَنَّ الِاسْتِدْبَارَ فِي حَالِ الِاخْتِيَارِ يَمْنَعُ صِحَّةَ الصَّلَاةِ، وَإِنْ كَانَ الثَّوْبُ بَعِيدًا، أَوْ كَانَ قَرِيبًا فَلَمْ تَأْخُذْهُ مُضِيَّ تَطَاوُلِ الزَّمَانِ وَبُعْدِهِ فَصَلَاتُهَا بَاطِلَةٌ
وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا بِمَاذَا بَطَلَتْ صَلَاتُهَا عَلَى وَجْهَيْنِ
إِنَّمَا بَطَلَتْ صَلَاتُهَا بِرُؤْيَةِ الثَّوْبِ كَمَا يَبْطُلُ تَيَمُّمٌ بِرُؤْيَةِ الْمَاءِ وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ رُؤْيَةُ الثَّوْبِ تُبْطِلُ الصَّلَاةَ كَالْمُتَيَمِّمِ لَوَجَبَ أَنْ تَبْطُلَ صَلَاتُهَا وَإِنْ كَانَ الثَّوْبُ قَرِيبًا كَالْمُتَيَمِّمِ، وَفِي إِجْمَاعِهِمْ عَلَى جَوَازِ صَلَاتِهَا وَإِنْ كَانَ الثَّوْبُ قَرِيبًا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ رُؤْيَةَ الثَّوْبِ لَا تُبْطِلُ الصَّلَاةَ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ الصَّحِيحُ أَنَّ صَلَاتَهَا إِنَّمَا بَطَلَتْ بِالْمُضِيِّ لِأَخْذِ الثَّوْبِ وَتَطَاوُلِ الْعَمَلِ فِيهِ
فَإِنْ قِيلَ فَيَلْزَمُكُمْ عَلَى هَذَا أَنَّهَا ما لم تمضي فَهِيَ عَلَى صَلَاتِهَا حَتَّى تَمْضِيَ وَإِنْ دُفِعَ الثَّوْبُ إِلَيْهَا فَاسْتَتَرَتْ بِهِ بَنَتْ عَلَى مَا مَضَى مِنْ صَلَاتِهَا وَأَجْزَأَهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute