وَالْجَوَابُ: أَنَّهَا تَمْضِي لِأَخْذِ الثَّوْبِ وَلَا انْتَظَرَتْ من تناولها إياه فَصَلَاتُهَا بَاطِلَةٌ وَإِنْ لَمْ يَمْضِ فَهُوَ فِي حُكْمِ مَنْ مَضَى، لَكِنْ إِنِ انْتَظَرَتْ مَنْ تناولها الثوب فناولها إِيَّاهُ مِنْ غَيْرِ فِعْلِ شَيْءٍ فِي الصَّلَاةِ ولا إحداث عمل فيها طَوِيلٍ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا عَلَى وَجْهَيْنِ
أَحَدُهُمَا: قد بطلت صلاتها، ولأن الِانْتِظَارَ عَمَلٌ طَوِيلٌ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ إِنَّ صَلَاتَهَا لَا تَبْطُلُ، وَتَبْنِي عَلَى مَا مَضَى وَيُجْزِئُهَا، لِأَنَّ الِانْتِظَارَ لَيْسَ بفعل يبطل الصلاة كالراكع إِذَا أَحَسَّ بِالدَّاخِلِ فَانْتَظَرَهُ جَازَ، وَلَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ فَإِنْ قِيلَ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الثَّوْبِ فِي وُجُوبِ أَخْذِهِ، وَبُطْلَانِ الصَّلَاةِ بِتَرْكِهِ، وَبَيْنَ الْمُتَيَمِّمِ إِذَا رَأَى الْمَاءَ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ اسْتِعْمَالُهُ، وَلَا بَطَلَتْ بِرُؤْيَتِهِ صَلَاتُهُ؟ قِيلَ: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ
أَحَدُهَا: أَنَّ فِعْلَ الطَّهَارَةِ يَجِبُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالصَّلَاةِ، فإن أحرام بها سقط فرضها، فإن أرحم بِهَا ثُمَّ وَجَدَ الْمَاءَ فِي وَقْتٍ سَقَطَ عَنْهُ فِعْلُ الطَّهَارَةِ فِيهِ وَلَمْ يَلْزَمْهُ اسْتِعْمَالُهُ، وَسَتْرُ الْعَوْرَةِ يَجِبُ فِي جَمِيعِ أَجْزَاءِ الصَّلَاةِ، فَإِذَا وَجَدَ الثَّوْبَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا وَجَبَ عَلَيْهِ اسْتِعْمَالُهُ؛ لِأَنَّهُ وُجِدَ فِي زَمَانٍ يَجِبُ عَلَيْهِ سَتْرُ الْعَوْرَةِ فِيهِ، فَإِنْ قِيلَ: لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ اسْتِصْحَابُ الطَّهَارَةِ فِي جَمِيعِ أَجْزَاءِ الصَّلَاةِ كَمَا يَلْزَمُهُ سَتْرُ الْعَوْرَةِ فِي جَمِيعِ أَجْزَائِهَا
قِيلَ: إِنَّمَا يَسْتَصْحِبُ حُكْمَ الطَّهَارَةِ مَعَ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ لَا الطَّهَارَةَ، وَهُوَ فِي الثَّوْبِ يَسْتَعْمِلُ السِّتْرَ مَعَ أَفْعَالِهَا، لَا حُكْمَ السِّتْرِ فَافْتَرَقَا
وَالْفَرْقُ الثَّانِي: هُوَ أَنَّ استدامة الثوب كابتدائه في الحكم بدلة أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ هَذَا الثَّوْبَ، وَهُوَ لَابِسُهُ حَنِثَ وَاسْتِدَامَةُ الطَّهَارَةِ مُخَالِفَةٌ لِابْتِدَائِهَا فِي الْحُكْمِ بِدَلَالَةِ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَتَطَهَّرُ وَهُوَ مُتَطَهِّرٌ لَمْ يَحْنَثْ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ وُجُودُ الثَّوْبِ فِي خِلَالِ الصَّلَاةِ كَوُجُودِهِ فِي ابْتِدَائِهَا، فَلَزِمَهُ اسْتِعْمَالُهُ وَلَمْ يَكُنْ وُجُودُ الْمَاءِ فِي خِلَالِ الصَّلَاةِ كَوُجُودِهِ فِي ابْتِدَائِهَا فَلَمْ يَلْزَمْهُ اسْتِعْمَالُهُ
وَالْفَرْقُ الثَّالِثُ: هُوَ أَنَّ الْمُتَيَمِّمَ قَدْ أَتَى بِبَدَلِ الْمَاءِ فَجَازَ أَنْ لَا يَلْزَمَهُ اسْتِعْمَالُهُ، وَالْعُرْيَانُ لَمْ يَأْتِ بِالسِّتْرِ وَلَا بِبَدَلِهِ، لِأَنَّ الْعُرْيَ لَيْسَ بِبَدَلٍ عَنِ السِّتْرِ فَلَزِمَهُ اسْتِعْمَالُهُ لِعَدَمِ الْبَدَلِ، كَالْمُسْتَحَاضَةِ إذا انقطع حيضها لما لم تأتي بِالطَّهَارَةِ عَنِ النَّجَاسَةِ، وَلَا بِبَدَلِ الطَّهَارَةِ لَزِمَهُ اسْتِئْنَافُ الطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ
وَالْحَالُ الثَّالِثَةُ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ، أَنْ لَا تَعْلَمَ الْأَمَةُ بِعِتْقِهَا إِلَّا بَعْدَ إِتْمَامِ الصَّلَاةِ فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَمَنْصُوصُهُ أَنَّ الْإِعَادَةَ عَلَيْهَا وَاجِبَةٌ، كَمَنْ صَلَّى وَهُوَ جُنُبٌ، أَوْ مُحْدِثٌ، فَلَمْ يَعْلَمْ حَتَّى فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ، وَقَدْ خَرَجَ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلٌ آخَرُ: إِنَّهُ لَا إِعَادَةَ عَلَيْهَا، ثُمَّ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا مِنْ أَيْنَ خَرَجَ هَذَا الْقَوْلُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute