للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْمُقَيَّدِ وَالْمُطْلَقِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ قَبْلُ فَإِنْ قَصَّرَ فِيهَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَجْتَهِدَ.

وَالثَّالِثُ: الْفِطْنَةُ وَالذَّكَاءُ لِيَصِلَ بِهِ إِلَى مَعْرِفَةِ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ مِنْ أَمَارَاتِ الْمَنْطُوقِ بِهِ.

فَإِنْ قُلْتَ: فِيهِ الْفِطْنَةُ وَالذَّكَاءُ لَمْ يَصِحَّ مِنْهُ الِاجْتِهَادُ.

وَالرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ عَارِفًا بِلِسَانِ الْعَرَبِ وَمَوْضُوعِ خِطَابِهِمْ وَمَعَانِي كَلَامِهِمْ. لِأَنَّ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَهُمَا أَصْلُ الشَّرِيعَةِ وَرَدَا بِلِسَانِ الْعَرَبِ.

أَمَّا الْكِتَابُ مَعَ ظُهُورِ لِسَانِهِمْ فِيهِ فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ به الروح الأمين ... إِلَى قَوْلِهِ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء: ١٩٢: ١٩٥] .

وَلَمْ يَقُلْ هَذَا عَلَى وَجْهِ الْإِخْبَارِ بِهِ، لِأَنَّهُ مُشَاهَدٌ.

وَالْمُرَادُ بِهِ يَحْتَمِلُ أَمْرَيْنِ.

أَحَدُهُمَا: أَنْ لَا يَنْقُلَ إِلَى غَيْرِهِ مِنَ أَلْسِنَةِ الْأُمَمِ الْمُخْتَلِفَةِ إِبْطَالًا لِمَنْ جَوَّزَ ذَاكَ فِيهِ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مِنْ أَلْفَاظِ الْعَجَمِ شَيْءٌ وَإِنِ اتَّفَقَ لِسَانُ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ فِي بَعْضِ الْأَلْفَاظِ، إِبْطَالًا لِقَوْلِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ فِي الْقُرْآنِ أَلْفَاظًا أَعْجَمِيَّةً كَالسُّنْدُسِ، وَالْإِسْتَبْرَقِ، وَالْقِسْطَاسِ.

وَأَمَّا السُّنَّةُ فِي وُرُودِهَا بِلِسَانِ الْعَرَبِ فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا بِلِسَانِ قَوْمِهِ} [إبراهيم: ٤] وَلِأَنَّ الْعَرَبَ أَوَّلُ مَنْ أُنْذِرَ بِالْقُرْآنِ وَدَعُوا إِلَى الْإِسْلَامِ وَكُلِّفُوا الْفُرُوضَ وَالْأَحْكَامَ.

فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ كَانَ مَنْ تَقَدَّمَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ مَبْعُوثًا إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً فَجَازَ أَنْ يَكُونَ مَبْعُوثًا بِلِسَانِهِمْ وَمُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَبْعُوثٌ إِلَى جَمِيعِ الْأُمَمِ فَلِمَ صَارَ مَبْعُوثًا بِلِسَانِ بَعْضِهِمْ؟ قِيلَ لَا تَخْلُو رِسَالَتُهُ إِلَيْهِمْ مِنْ أَنْ تَكُونَ بِجَمِيعِ أَلْسِنَتِهِمْ وَهَذَا خَارِجٌ عَنِ الْعُرْفِ الْمُسْتَطَاعِ أَنْ يَرِدَ كُلُّ فَرْضٍ فِي الْقُرْآنِ مُكَرَّرًا بِكُلِّ لِسَانٍ.

وَإِذَا خَرَجَ عَنْ هَذَا وَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ بِأَحَدِ الْأَلْسُنِ كَانَ لِسَانُ الْعَرَبِ بِهِ أَحَقَّ لِثَلَاثَةِ أُمُورٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّهُمْ أَوَّلُ الْمُخَاطَبِينَ بِهِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ لِسَانَهُمْ أَوْسَعُ وَكَلَامَهُمْ أَفْصَحُ.

وَالثَّالِثُ: لِفَضْلِ الْمَتْبُوعِ عَلَى التَّابِعِ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَرَبِيُّ النَّسَبِ وَالدَّارِ وَاللِّسَانِ وَهُوَ أَفْضَلُ مَتْبُوعٍ فَكَانَ لِسَانُهُ مَتْبُوعًا أَوْلَى مِنْ أَنْ يَكُونَ تابعا.

<<  <  ج: ص:  >  >>