للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَاحِدٍ فَمَنْ أَصَابَهُ فَقَدْ أَصَابَ عِنْدَ اللَّهِ وَأَصَابَ فِي الْحُكْمِ. وَمَنْ أَخْطَأَهُ فَقَدْ أَخْطَأَ عِنْدَ اللَّهِ وَأَصَابَ فِي الْحُكْمِ.

وَقَدْ حَكَى هَذَا الْقَوْلَ عَنِ الشَّافِعِيِّ بَعْضُ أَصْحَابِهِ، لِأَنَّ لَهُ فِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَى مَنْ تَيَقَّنَ الْخَطَأَ فِي الْقِبْلَةِ قَوْلَيْنِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَثْبَتَهُ وَخَرَّجَهُ قَوْلًا ثَانِيًا، وَمِنْهُمْ مَنْ أَنْكَرَهُ.

وَقِيلَ: إِنَّ مَذْهَبَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي هَذَا مُخْتَلِفٌ فَيَجْعَلُ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبًا، وَإِنْ كَانَ الْحَقُّ فِي وَاحِدٍ كَقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَيَجْعَلُ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُخْطِئًا إِلَّا وَاحِدًا، لِأَنَّ الْحَقَّ وَاحِدٌ كَقَوْلِنَا.

وَلَوْ كَانَ كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبًا مَا أَخْطَأَ مُجْتَهِدٌ، وَقَدْ نَسَبَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ دَاوُدَ إِلَى الْخَطَأِ وَسُلَيْمَانَ إِلَى الْإِصَابَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ففهمناها سليمان} وقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ " فَنَسَبَهُ إِلَى الْخَطَأِ وَإِنْ جَعَلَ لَهُ أَجْرًا.

فَإِنْ قِيلَ: فَلَوِ اخْتَلَفَا فِي الْإِصَابَةِ لَمَا شُورِكَ بَيْنَهُمَا فِي الْأَجْرِ.

قِيلَ: وَلَوِ اتَّفَقَا فِي الْإِصَابَةِ لَمَا فُوضِلَ بَيْنَهُمَا فِي الْأَجْرِ.

وَقَدْ خَطَّأَ الصَّحَابَةُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ: فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: " أَلَا لَا يَتَّقِي اللَّهَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ يَجْعَلُ ابْنَ الِابْنِ ابْنًا وَلَا يَجْعَلُ أَبَا الْأَبِ أَبًا " وَقَالَ فِي الْعَوْلِ " مَنْ شَاءَ بَاهَلْتُهُ عِنْدَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ، وَالَّذِي أَحْصَى رَمْلَ عَالَجَ عَدَدًا مَا جَعَلَ اللَّهُ فِي الْمَالِ نِصْفَيْنِ وَثُلُثًا، هَذَانِ النِّصْفَانِ قَدْ ذَهَبَا بِالْمَالِ فَأَيْنَ الثُّلُثُ " وَقَالَ عَلِيٌّ لِعُمَرَ فِي الْمُجْهِضَةِ حِينَ قَالَ لَهُ عُثْمَانُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ: لَا شَيْءَ عَلَيْكَ إِنَّمَا أَنْتَ مُعَلَّمٌ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: إِنْ كَانَا مَا اجْتَهَدَا فَقَدْ غَشَّا وَإِنْ كَانَا قَدِ اجْتَهَدَا فَقَدْ أَخْطَآ فَعَلَيْكَ الدِّيَةُ فَلَمْ يُنْكِرُوا خَطَأَ الْمُجْتَهِدِ.

فَإِنْ قِيلَ: لَمَّا اسْتَجَازُوا أَنْ يُوَلُّوا مَنْ خَالَفَهُمْ فِي الِاجْتِهَادِ دَلَّ عَلَى أَنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ، وَلَوْ كَانَ مُخْطِئًا لَمَا اسْتَجَازُوا تَوْلِيَةَ مُخَالِفٍ، قِيلَ قَدْ أَنْكَرَ عَلِيٌّ عَلَى شُرَيْحٍ حِينَ خَالَفَهُ فِي ابْنَيْ عَمِّ أَحَدُهُمَا أَخٌ لِأُمٍّ، وَقَالَ: عَلَيَّ بِالْعَبْدِ الْأَبْطَرِ وَعَزَلَهُ عَنِ الْقَضَاءِ.

عَلَى أَنَّ نُفُوذَ الِاجْتِهَادِ عَيْنُ الْحُكْمِ، وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَتَّفِقَا عَلَيْهِ وَقْتَ الْحُكْمِ.

وَلِأَنَّ تَصْوِيبَ كُلِّ الْمُجْتَهِدِينَ يُؤَدِّي إِلَى تَصْوِيبِ مَنْ نَفَى تَصْوِيبَ الْمُجْتَهِدِينَ فَصَارَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مِنَ التَّصْوِيبِ رَاجِعًا عَلَيْهِ فِي إِبْطَالِ التَّصْوِيبِ. فَإِذَا صَحَّ أَنَّ جَمِيعَهُمْ مُخْطِئٌ فِي الِاجْتِهَادِ إِلَّا وَاحِدًا هُوَ الْمُصِيبُ مِنْهُمْ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُتَعَيَّنٍ فَالْمُصِيبُ مِنْهُمْ مَأْجُورٌ عَلَى الِاجْتِهَادِ وَعَلَى الصَّوَابِ، وَأَمَّا الْمُخْطِئُ فَغَيْرُ مَأْجُورٍ عَلَى الْخَطَأِ.

وَاخْتُلِفَ فِي أَجْرِهِ عَلَى الِاجْتِهَادِ:

فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ مَأْجُورٌ عَلَيْهِ وإن أخطأ فيه لقصد الصواب وإبن لَمْ يَظْفَرْ بِهِ.

وَقَالَ الْأَصَمُّ وَابْنُ عُلَيَّةَ هُوَ مَأْثُومٌ عَلَى الِاجْتِهَادِ لِخَطَئِهِ فِيهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>