للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إليها داعية فِي حِفْظِ الْحُقُوقِ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَبْعُدُ عَنْ مُسْتَحِقِّيهَا وَيَبْعُدُ عَنْهَا مُسْتَحِقُّوهَا فَلَمْ يَجِدِ الْحُكَّامُ بُدًّا مِنْ مُكَاتَبَةِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ بِهَا.

فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَلِلْقَاضِي أَنْ يَكْتُبَ إِلَى غَيْرِهِ مِنَ الْقُضَاةِ بِمَا وَجَبَ عِنْدَهُ مِنْ حُكْمٍ، أَوْ ثَبَتَ عِنْدَهُ مِنْ حَقٍّ، وَيَكْتُبُ بِهِ إِلَى مَنْ هُوَ أَعْلَى مِنْهُ، وَأَدْنَى، وَإِلَى خَلِيفَتِهِ، وَمُسْتَخْلِفِهِ.

وَيَكُونُ الْمَقْصُودُ بِهِ أَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَثْبُتَ بِهَا عِنْدَ الثَّانِي مَا ثَبَتَ عِنْدَ الْأَوَّلِ.

وَالثَّانِي: أَنْ يَقُومَ فِي تَنْفِيذِهَا واستيفائها مقام الأول.

(متى يجب قبولها) .

وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلِوُجُوبِ قَبُولِهَا ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ الثَّانِي عَالِمًا بِصِحَّةِ وِلَايَةِ الْأَوَّلِ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِصِحَّةِ وِلَايَتِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ قَبُولُ كِتَابِهِ.

وَالشَّرْطُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِصِحَّةِ أَحْكَامِهِ، وَكَمَالِ عَدَالَتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ لَمْ يَلْزَمْهُ قَبُولُ كِتَابِهِ.

وَالشَّرْطُ الثَّالِثُ: أَنْ يَعْلَمَ صِحَّةَ كِتَابِهِ فِيمَا تَضَمَّنَهُ مِنْ أَحْكَامٍ:

(بِأَيِّ شَيْءٍ يَعْلَمُ صِحَّةَ الْكِتَابِ) .

وَاخْتَلَفَ فِيمَا يَعْلَمُ بِهِ صِحَّةَ كِتَابِهِ.

فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وأبو حَنِيفَةَ وَأَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَقْبَلَهُ الْقَاضِي الْمَكْتُوبُ إِلَيْهِ إِلَّا أَنْ يَشْهَدَ بِهِ شَاهِدَانِ عَلَى مَا سَنصفهُ.

وَذَهَبَ قُضَاةُ الْبَصْرَةِ: الْحَسَنُ، وَسَوَّارُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ الْعَنْبَرِيُّ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ، وَأَبِي ثَوْرٍ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ وَأَبِي عُبَيْدٍ الْقَاسِمِ بْنِ سَلَامٍ وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ مَالِكٍ وَمَالَ إِلَيْهِ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ أَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ، أَنَّهُ إِذَا عَرَفَ الْقَاضِي الْمَكْتُوبُ إِلَيْهِ خَطَّ الْقَاضِي الْكَاتِبِ وَخَتْمَهُ وَاتَّصَلَتْ بِمِثْلِهِ كُتُبُهُ جَازَ أَنْ يَقْبَلَهُ، وَيَعْمَلَ بِمَا تَضَمَّنَهُ، احْتِجَاجًا بِأَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ كُتُبِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَدْ كَانَتْ مَقْبُولَةً، يُعْمَلُ بِمَا فِيهَا مِنْ غَيْرِ شَهَادَةٍ.

وَالثَّانِي: أَنَّ عُرْفَ الْحُكَّامِ بِقَبُولِهَا مُسْتَفِيضٌ، لِتَعَذُّرِ الشَّهَادَةِ بِهَا، وَسُكُونِ النَّفْسِ إِلَى صحتها.

<<  <  ج: ص:  >  >>