للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَحُكِيَ فِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى أَنَّ بَيِّنَتَهُ تُسْمَعُ بِجَرْحِهِمْ وَفِسْقِهِمْ فَإِنْ أَقَامَهَا سَقَطَتْ شَهَادَتُهُمْ وَبَطَلَ الْحُكْمُ لِثُبُوتِ جَرْحِهِمْ فَلَمْ يُؤْخَذْ بِالْحَقِّ.

ثُمَّ ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ مَذْهَبَهُ وَهُوَ أَنْ يَنْظُرَ فِيمَا ذَكَرَهُ مِنْ جَرْحِهِمْ:

فَإِنْ كَانَ مِمَّا تُرَدُّ بِهِ الشَّهَادَةُ مَعَ الْعَدَالَةِ بِأَنْ يَدَّعِيَ أَنَّهُمْ أَعْدَاؤُهُ، أَوْ لَهُمْ فِيمَا شَهِدُوا بِهِ شِرْكٌ، أَوْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمَشْهُودِ لَهُ وِلَادَةٌ تَمْنَعُ مِنَ الشَّهَادَةِ. فَهَذَا مَانِعٌ مِنْ قَبْلِ شَهَادَتِهِمْ، وَلَيْسَ بِجَرْحٍ فِي عَدَالَتِهِمْ، فَتُسْمَعُ مِنْهُ الْبَيِّنَةُ بِذَلِكَ وَيَبْطُلُ بِهَذَا الْحُكْمُ عَلَيْهِ.

وَإِنْ جَرَّحَهُمْ بِالْفِسْقِ، وَمَا تَسْقُطُ بِهِ الْعَدَالَةُ، فلا تخلو بينة الجرح من ثلاثة أَحْوَالٍ:

إِحْدَاهَا: أَنْ تَشْهَدَ بِفِسْقِ الشُّهُودِ فِي وَقْتِ شَهَادَتِهِمْ فَتُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ بِهَذَا الْجَرْحِ لِأَنَّ بَيِّنَةَ الْجَرْحِ أَوْلَى مِنْ بَيِّنَةِ التَّعْدِيلِ وَتَسْقُطُ شَهَادَتُهُمْ بِهَذَا الْجَرْحِ وَيَبْطُلُ بِهِ الْحُكْمُ.

وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَشْهَدُوا بِفِسْقِ الشُّهُودِ بَعْدَ الْحُكْمِ بِشَهَادَتِهِمْ، فَلَا تُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ بِهَذَا الْجَرْحِ لِأَنَّ حُدُوثَ الْفِسْقِ بَعْدَ تَقَدُّمِ الْعَدَالَةِ لَا يَمْنَعُ مِنْ صِحَّةِ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْحُكْمِ بِالشَّهَادَةِ، وَيُؤْخَذُ بِالْحَقِّ.

وَالْحَالُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يَشْهَدُوا بِفِسْقِ الشُّهُودِ قَبْلَ سَمَاعِ شَهَادَتِهِمْ، فَيُعْتَبَرُ مَا بَيْنَ زَمَانِ الْجَرْحِ وَالشَّهَادَةِ.

فَإِنْ كَانَ قَرِيبًا لَا يَتَكَامَلُ صَلَاحُ الْحَالِ فِي مِثْلِهِ، سُمِعَتْ بَيِّنَةُ الجرح، وحكم بسقوط شهادتهم.

وإن تَطَاوَلَ مَا بَيْنَ زَمَانِ الْجَرْحِ وَالشَّهَادَةِ لَمْ تُسْمَعْ بَيِّنَةُ الْجَرْحِ، وَحُكِمَ بِشَهَادَتِهِمْ، لِأَنَّ الْحَالَ يَصْلُحُ مَعَ تَطَاوُلِ الزَّمَانِ، وَيَرْتَفِعُ الْفِسْقُ بِمَا حَدَثَ بَعْدَهُ مِنَ الْعَدَالَةِ.

فَإِنْ سَأَلَ مُدَّعِي الْجَرْحِ إِنْظَارَهُ بِإِحْضَارِ الْبَيِّنَةِ حَتَّى يَلْتَمِسَهَا أُنْظِرَ بِهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنْ أَحْضَرَهَا، وَإِلَّا أُخِذَ بِالْحَقِّ وَأمْضِي عَلَيْهِ الْحُكْمَ.

فَإِنْ سَأَلَ إِحْلَافَ الْمَحْكُومِ لَهُ عَلَى عَدَالَةِ شُهُودِهِ، لَمْ تَلْزَمْهُ الْيَمِينُ؛ لِأَنَّ تَعْدِيلَ الشُّهُودِ إِلَى الْحَاكِمِ دُونَ الْمَحْكُومِ لَهُ، وَلَا مَدْخَلَ لِلْيَمِينِ فِيهِ.

وَلَوْ سأل إحلافه على أن لا ولادة بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ، وَلَا شَرِكَةَ، وَجَبَ إِحْلَافُهُ عَلَى ذَلِكَ، لِاخْتِصَاصِهِ بِالْمَحْكُومِ لَهُ دُونَ الْحَاكِمِ.

وَلَوْ سأل إحلافه على أن لا عداوة بينه وَبَيْنَهُمْ، فَهَذَا مِمَّا يَخْفَى عَلَيْهِ فَلَمْ يَلْزَمْ إِحْلَافُهُ عَلَيْهِ.

فَإِنْ سَأَلَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الْحَقِّ مِنْهُ الْإِشْهَادَ لَهُ بِقَبْضِ الْحَقِّ منه، وجب

<<  <  ج: ص:  >  >>