للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يَجْعَلَهَا لَكُمْ وَلَعَلَّهَا لِغَيْرِكُمْ وَقَدْ قِيلَ يُقَسِّمُ وَيَشْهَدُ أَنَّهُ قَسَّمَهَا عَلَى إِقْرَارِهِمْ وَلَا يُعْجِبُنِي لِمَا وَصَفْتُ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: إِذَا كَانَتْ دَارٌ وهي يَدَيْ رَجُلَيْنِ، تَرَافَعَا فِيهَا إِلَى الْحَاكِمِ لِيُقَسِّمَهَا بينهما فلهما فيها ثلاثة أَحْوَالٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يُنَازِعَهُمَا فِيهَا غَيْرُهُمَا، فَلَا يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ إِذَا حَكَمَ بِهَا لَهُمَا بِأَيْدِيهِمَا أَنْ يُقَسِّمَهَا بَيْنَهُمَا، مَعَ ظُهُورِ الْمُنَازِعِ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ بِهَا لَهُمَا وَهَذَا مِمَّا لَا يَخْتَلِفُ فِيهِ قَوْلُهُ، لِأَنَّ قِسْمَةَ الْحَاكِمِ إِثْبَاتٌ لِمِلْكِهَا، وَالْيَدُ تُوجِبُ إِثْبَاتَ التَّصَرُّفِ، وَلَا تُوجِبُ إِثْبَاتَ الْمِلْكِ.

وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَتَنَازَعَاهَا وَهِيَ فِي أَيْدِيهِمَا، وَيَدَّعِيَهَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِلْكًا، فَيَجْعَلُهَا الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا بِأَيْدِيهِمَا وَأَيْمَانِهِمَا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَسِّمَهَا بَيْنَهُمَا إِنْ سَأَلَاهُ قَسْمَهَا؛ لِأَنَّ فِي تَنَازُعِهِمَا إِقْرَارًا بِسُقُوطِ الْقِسْمَةِ، فَإِنْ تَقَاسَمَاهَا بِأَنْفُسِهِمَا لَمْ يَمْنَعْهُمَا.

وَالْحَالُ الثَّالِثَةُ: أَنْ لَا يَكُونَ لَهُمَا فِيهَا مُنَازِعٌ، وَهُمَا مُعْتَرِفَانِ بِالشَّرِكَةِ، وَيَتَنَازَعَانِ فِي الْقِسْمَةِ، فَإِذَا سَأَلَا الْحَاكِمَ قَسْمَهَا بَيْنَهُمَا، كَلَّفَهُمَا الْبَيِّنَةَ عَلَى مِلْكِهِمَا لَهَا، فَإِنْ أَقَامَاهَا قَسَّمَهَا بَيْنَهُمَا إِجْبَارًا أَوِ اخْتِيَارًا، وَهُوَ غَايَةُ مَا يَسْتَظْهِرُ بِهِ الْحَاكِمُ فِي إِثْبَاتِ الْأَمْلَاكِ.

وَهَكَذَا لَوْ ظَهَرَ لَهُمَا مُنَازِعٌ فَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ عَلَى مِلْكِهِمَا لَهَا، حَكَمَ لَهُمَا، بِالْمِلْكِ، وأوقع بينهما القسمة وبطل قول المنازع بالبين، لِأَنَّ الْمِلْكَ لَا يَبْطُلُ بِالنِّزَاعِ.

وَإِنْ عَدِمَا الْبَيِّنَةَ، وَتَفَرَّدَا بِالْيَدِ، وَعَدِمَ الْمُنَازِعُ وَسَأَلَاهُ الْقِسْمَةَ، فَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِيهَا عَلَى مَذْهَبِهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَسِّمَهُمَا بَيْنَهُمَا مَعَ عَدَمِ الْبَيِّنَةِ وَيَقُولُ لَهُمَا: إِنْ شِئْتُمَا فَاقْتَسِمَاهَا بَيْنَكُمَا، بِاخْتِيَارِكُمَا، وَلَا أَحْكُمُ بِقَسْمِهَا بَيْنَكُمَا لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ لِغَيْرِكُمَا، فَتَجْعَلَا حُكْمِي بِالْقِسْمَةِ حُجَّةً لَكُمَا فِي الْمِلْكِ، وَدَفْعِ مَنْ لَعَلَّهُ أَحَقُّ مِنْكُمَا بِهِ.

فَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ بِابْتِيَاعِهِمَا الدَّارَ، لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةً بِالْمِلْكِ، لِأَنَّ يَدَ الْبَائِعِ فِيهَا كَأَيْدِيهِمَا.

وَهَكَذَا لَوْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا صَارَتْ إِلَيْهِمَا عَنْ أَبِيهِمَا مِيرَاثًا لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةً بِالْمِلْكِ لَأَنَّ يَدَ الْأَبِ فِيهَا كَأَيْدِيهِمَا.

وَسَوَاءٌ كَانَ هَذَا الْمِلْكُ مِمَّا يُنْقَلُ وَيُحَوَّلُ، كَالْعَرُوضِ وَالسِّلَعِ، أَوْ مِمَّا لَا يُنْقَلُ وَلَا يُحَوَّلُ كَالضِّيَاعِ وَالْعَقَارِ.

ثُمَّ حَكَى الشَّافِعِيُّ بَعْدَ ذِكْرِهِ لِمَذْهَبِهِ قَوْلًا لِغَيْرِهِ: إِنَّ الْحَاكِمَ يُقَسِّمُهَا بَيْنَهُمَا ويذكر

<<  <  ج: ص:  >  >>