فِي الْقِسْمَةِ أَنَّهُ قَسَّمَهَا بَيْنَهُمَا بِإِقْرَارِهِمَا، لِيَسْتَظْهِرَ بِذَلِكَ مِمَّا يَخَافُهُ مِنْ ظُهُورِ مُنَازِعٍ فِيهَا، وَسَوَاءٌ كَانَ هَذَا مِمَّا يُنْقَلُ أَوْ لَا يُنْقَلُ وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ.
فَاخْتَلَفَ أصحابنا في تخريج هذا المذهب قولا ثانيا للشافعي.
فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى إِبْطَالِ تَخْرِيجِهِ قَوْلًا ثَانِيًا، لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ قَدْ صَرَّحَ بِإِبْطَالِهِ فَقَالَ: وَلَا يُعْجِبُنِي ذَلِكَ لِمَا وَصَفْنَا فَلَمْ يَجُزْ مَعَ هَذَا الرَّدِّ أَنْ يَجْعَلَ قَوْلًا لَهُ.
وَذَهَبَ الْأَكْثَرُونَ مِنْهُمْ إِلَى تَخْرِيجِهِ قَوْلًا ثَانِيًا، لِأَنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ تَرْجِيحٌ لِلْأَوَّلِ وَلَيْسَ بِإِبْطَالٍ لِلثَّانِي، فَيَكُونُ لَهُ فِي قَسْمِهَا بَيْنَهُمَا مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: لَا يُقَسِّمُهَا وَهُوَ الْأَظْهَرُ تَعْلِيلًا بِمَا قَدَّمْنَاهُ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: يُقَسِّمُهَا وَيَسْتَظْهِرُ بِمَا وَصَفْنَاهُ.
فَإِذَا قَسَّمَهَا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ اسْتَظْهَرَ بِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يُنَادِيَ هَلْ مِنْ مُنَازِعٍ؟ لِيَسْتَدِلَّ بِعَدَمِهِ عَلَى ظَاهِرِ الْمِلْكِ.
وَالثَّانِي: أَنْ يُحْلِفَهُمَا أَنْ لَا حَقَّ فِيهَا لِغَيْرِهِمَا.
وَفِي هَذِهِ الْيَمِينِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا اسْتِظْهَارٌ فَإِنْ قَسَّمَهَا مِنْ غَيْرِ إِحْلَافِهِمَا جَازَ.
وَالثَّانِي: أَنَّهَا وَاجِبَةٌ.
فَإِنْ قَسَّمَهَا مِنْ غَيْرِ إِحْلَافِهِمَا لَمْ يَجُزْ.
فَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ، فَإِنَّهُ خَالَفَ بِتَفْصِيلِهِ مُطْلَقَ الْقَوْلَيْنِ، فَقَالَ: فِيمَا يُنْقَلُ مِنَ الْعَرُوضِ وَالسِّلَعِ أَنَّهُ يُقَسِّمُهُ بَيْنَهُمَا بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ، وَفِيمَا لَا يُنْقَلُ مِنَ الضِّيَاعِ وَالْعَقَارِ إِنِ ادَّعَيَاهُ مِيرَاثًا لَمْ يُقَسَّمْ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ بِالْمِيرَاثِ، وَإِنِ ادَّعَيَاهُ بِابْتِيَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ قَسَّمَهُ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ تَشْهَدُ بِالِابْتِيَاعِ.
وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَيْسَ الْبَيِّنَةُ بِالْمِيرَاثِ وَالِابْتِيَاعِ بَيِّنَةٌ بِالْمِلْكِ وَإِنَّمَا هِيَ بَيِّنَةٌ بِسَبَبِ دُخُولِ الْيَدِ، فَلَمْ يَكُنْ لهذا الفرق وجه الله أعلم بالصواب.