الْقَاتِلُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَا أَرَدْتُ قَتْلَهُ قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لِلْوَلِيِّ: " أَمَا إِنَّهُ إِنْ كَانَ صَادِقًا فَقَتَلْتَهُ دخلت النار " سَبِيلَهُ فَخَرَجَ يَجُرُّ نَسْعَتَهُ فَسُمِّيَ ذَا النَّسْعَةِ.
فَمَوْضِعُ الدَّلِيلِ مِنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بعد إذنه في قتله أخبر أنه كان صادقا، فأحرم قَتْلَهُ، فَدَلَّ عَلَى نُفُوذِ الْحُكْمِ فِي الظَّاهِرِ دُونَ الْبَاطِنِ
وَأَمَّا الِاعْتِبَارُ فَهُوَ أَنَّ شَهَادَةَ الزُّورِ أَفْسَدُ مِنْ شَهَادَةِ الْعَبْدِ وَالْكَافِرِ، وَحُكْمُ الْأَمْوَالِ أَخَفُّ مِنْ حُكْمِ الْفُرُوجِ، فَلَمَّا لَمْ يَنْفُذِ الْحُكْمُ فِي الْبَاطِنِ بِشَهَادَةِ الْعَبْدِ وَالْكَافِرِ كان أولى أن لا تنفذ في الفروج بِشَهَادَةِ الزُّورِ، وَلَمَّا لَمْ يَنْفُذْ بِشَهَادَةِ الزُّورِ فِي الْأَمْوَالِ كَانَ أُولَى أَنْ لَا تَنْفُذَ فِي الْفُرُوجِ، وَيَتَحَرَّرُ مِنِ اعْتِلَالِ هَذَا الِاسْتِدْلَالِ قِيَاسَانِ:
أَحَدُهُمَا: إِنَّ كُلَّ شَهَادَةٍ لَا يَنْفُذُ بِهَا حُكْمُ الْبَاطِنِ فِي الْأَمْوَالِ لَمْ يَنْفُذْ فِي الْفُرُوجِ قِيَاسًا عَلَى شَهَادَةِ الْعَبْدِ وَالْكَافِرِ.
وَالْقِيَاسُ الثَّانِي: إِنَّ كُلَّ حُكْمٍ لَا يَنْفُذُ فِي الْبَاطِنِ بِشَهَادَةِ الْعَبْدِ وَالْكَافِرِ لَمْ يَنْفُذْ بِشَهَادَةِ الزُّورِ، بِخِلَافِ الْحُكْمِ فِي الْأَمْوَالِ.
فَإِنْ قَالُوا: الْأَمْوَالُ لَا مَدْخَلَ لِلْحُكَّامِ فِي نَقْلِهَا، وَلَهُمْ مَدْخَلٌ فِي نَقْلِ الْفُرُوجِ بِتَزْوِيجِ الْأَيَامَى، وَوُقُوعِ الْفُرْقَةِ بِالْعُنَّةِ وَالْفَسْخِ بِالْعُيُوبِ، فَلِذَلِكَ وَقَعَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْأَمْوَالِ وَالْفُرُوجِ.
وَالْعَبْدُ وَالْكَافِرُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ، وَشَاهِدُ الزُّورِ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ، فَلِذَلِكَ وَقَعَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا.
قِيلَ: الْجَوَابُ عن فرقة بَيْنَ الْأَمْوَالِ وَالْفُرُوجِ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: إِنَّ لَهُ فِي نَقْلِ الْأَمْوَالِ وِلَايَةً كَالْفُرُوجِ: لِأَنَّ لَهُ أَنْ يُبِيحَ عَلَى الصَّغِيرِ مَالَهُ لِحَاجَتِهِ وَعَلَى الْمُفْلِسِ مَالَهُ لِحَاجَةِ غُرَمَائِهِ.
وَالثَّانِي: لَيْسَ لَهُ وِلَايَةٌ فِي نَقْلِ الْفُرُوجِ، كَمَا لَيْسَ لَهُ وِلَايَةٌ فِي نَقْلِ الْأَمْوَالِ، لِأَنَّهُ لَا يُزَوِّجُ، وَلَا يَفْسِخُ إِلَّا بِاخْتِيَارٍ، وَلَوْ مَلَكَ الْوَلَايَةَ لَنَقَلَهَا بِالِاخْتِيَارِ.
وَعَنْ فَرْقِهِ بَيْنَ شَهَادَةِ الزُّورِ وَبَيْنَ شَهَادَةِ الْعَبْدِ وَالْكَافِرِ جَوَابَانِ:
أَحَدُهُمَا: إِنَّهُ لَمَّا اسْتَوَيَا فِي إِبْطَالِ الْحُكْمِ عِنْدَ الْعِلْمِ بِهِمَا قَبْلَ الْحُكْمِ وَجَبَ أَنْ يَسْتَوِيَا فِيهِ عِنْدَ الْعِلْمِ بِهِمَا بَعْدَ الْحُكْمِ.