للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا مَا يَكُونُ شَرْطًا فِيهَا فَهُوَ: مُجَانَبَةُ مَا سَخُفَ مِنَ الْكَلَامِ الْمُؤْذِي أَوِ الْمُضْحِكِ وَتَرْكُ مَا قَبُحَ مِنَ الضَّحِكِ الَّذِي يَلْهُو بِهِ. أَوْ يُسْتَقْبَحُ لِمَعْرِفَتِهِ أَوْ أَدَائِهِ. فَمُجَانَبَةُ ذَلِكَ مِنَ الْمُرُوءَةِ الَّتِي هِيَ شَرْطٌ فِي الْعَدَالَةِ، وَارْتِكَابُهَا مُفْضٍ إِلَى الْفِسْقِ.

وَلِذَلِكَ نَتْفُ اللِّحْيَةِ مِنَ السَّفَهِ الَّذِي تُرَدُّ بِهِ الشَّهَادَةُ، وكذلك خضاب اللحية من السفه التي تُرَدُّ بِهِ الشَّهَادَةُ، لِمَا فِيهَا مِنْ تَغْيِيرِ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى.

فَأَمَّا مَا لَا يَكُونُ شَرْطًا فِيهَا فَهُوَ الْإِفْضَالُ بِالْمَالِ وَالطَّعَامِ وَالْمُسَاعَدَةُ بِالنَّفْسِ وَالْجَاهِ، فَهَذَا مِنَ الْمُرُوءَةِ وَلَيْسَ بِشَرْطٍ فِي الْعَدَالَةِ.

فَأَمَّا الْمُخْتَلَفُ فِيهِ فَضَرْبَانِ: عَادَاتٌ، وَصَنَائِعُ.

فَأَمَّا الْعَادَاتُ فَهُوَ أَنْ يُقْتَدَي فِيهَا بِأَهْلِ الصِّيَانَةِ دُونَ أَهْلِ الْبَذْلَةِ، فِي مَلْبَسِهِ وَمَأْكَلِهِ وَتَصَرُّفِهِ.

فَلَا يَتَعَرَّى عَنْ ثِيَابِهِ فِي بَلَدٍ يَلْبَسُ فِيهِ أَهْلُ الصِّيَانَةِ ثِيَابَهُمْ. وَلَا يَنْزِعُ سَرَاوِيلَهُ فِي بَلَدٍ يَلْبَسُ فِيهِ أَهْلُ الصِّيَانَةِ سَرَاوِيلَهُمْ، وَلَا يَكْشِفُ رَأْسَهُ فِي بَلَدٍ يغطي فيه أهل الصيانة فيه رؤوسهم.

وَإِنْ كَانَ فِي بَلَدٍ لَا يُجَافِي أَهْلُ الصِّيَانَةِ ذَلِكَ فِيهِ، كَانَ عَفْوًا، كَالْحِجَازِ وَالْبَحْرِ الَّذِي يَقْتَصِرُ أَهْلُهُ فِيهِ عَلَى لَبْسِ الْمِئْزَرِ.

وَأَمَّا الْمَأْكَلُ فَلَا يَأْكُلُ عَلَى قَوَارِعِ الطُّرُقِ وَلَا فِي مَشْيِهِ، وَلَا يَخْرُجُ عَنِ الْعُرْفِ فِي مَضْغِهِ، وَلَا يُعَانِي بِكَثْرَةِ أَكْلِهِ.

وَأَمَّا التَّصَرُّفُ فَلَا يُبَاشِرُ ابْتِيَاعَ مَأْكُولِهِ وَمَشْرُوبِهِ وَحَمْلَهُ بِنَفْسِهِ فِي بَلَدٍ يَتَجَافَاهُ أَهْلُ الصِّيَانَةِ. إِلَى نَظَائِرِ هَذَا مِمَّا فِيهِ بَذْلَةٌ وَتَرْكُ تَصَوُّنٍ.

وَفِي اعْتِبَارِ هَذَا الضَّرْبِ مِنَ الْمُرُوءَةِ فِي شُرُوطِ الْعَدَالَةِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِيهَا لِإِبَاحَتِهِ.

قَدْ بَاعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَاشْتَرَى فِيمَنْ يَزِيدُ، وَاشْتَرَى سَرَاوِيلَ بِأَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ. وَقَالَ: " يَا وَزَّانُ زِنْ وَأَرْجِحْ ". وَقَالَ الرَّاوِي: فَأَخَذْتُهُ لِأَحْمِلَهُ. فَقَالَ: " دَعْهُ فَصَاحِبُ الْمَتَاعِ أَحَقُّ بِحَمْلِهِ ".

وَقِيلَ لِعَائِشَةَ: مَا كَانَ يَصْنَعُ رَسُولُ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي مَنْزِلِهِ إِذَا خَلَا؟ قَالَتْ: كَانَ يَخْصِفُ النعل ويرقع الدَّلْوَ. وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَسْلُكُ الطَّرِيقَ فِي خِلَافَتِهِ وَهُوَ مُتَخَلِّلٌ بِعَبَاءَةٍ قَدْ رَبَطَهَا بِشَوْكَةٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>