نَسَبِهِ، وَلَزِمَ الْحَاكِمَ تَنْفِيذُ حُكْمِهِ، وَإِنْ نَفَاهُ الْقَائِفُ عَنْ أَحَدِهِمَا اسْتَقَرَّ حُكْمُهُ بِالنَّفْيِ، وَلَمْ يَسْتَقِرَّ حُكْمُهُ بِاللُّحُوقِ، حَتَّى يَحْكُمَ لَهُ الْحَاكِمُ بِاللُّحُوقِ، بِحُكْمِ الِانْفِرَادِ بِالدَّعْوَى، فَإِنْ رَجَعَ الْقَائِفُ بَعْدَ حُكْمِهِ بِذِكْرِ الْغَلَطِ فِيهِ، لَمْ يُقْبَلْ رُجُوعُهُ، لِأَنَّ نُفُوذَ الْحُكْمِ بِالِاجْتِهَادِ يَمْنَعُ مِنْ نَقْضِهِ بِاجْتِهَادٍ.
وَإِنْ رَأَى الْحَاكِمُ اجْتِهَادَهُ إِلَى اسْتِخْبَارِ الْقَائِفِ دُونَ تَحْكِيمِهِ، أَنْكَرَ الْقَائِفُ مُخْبِرًا، وَالْحَاكِمُ هُوَ الْمُنْفَرِدُ بِالْحُكْمِ، جَازَ وَلَزِمَهُ أَنْ يَجَمْعَ بَيْنَ قَائِفَيْنِ، وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَإِنْ كَانَ خَبَرُ الْوَاحِدِ مَقْبُولًا، لِأَنَّ الْحَاكِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَحْكُمَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ أَنْ يَحْكُمَ بِشَهَادَةِ اثْنَيْنِ. كَمَا لَا يَحْكُمُ فِي التَّقْوِيمِ إِلَّا بِقَبُولِ مُقَوِّمَيْنِ، فَإِذَا أَرَادَ الْقَائِفَانِ بَعْدَ اجْتِهَادِهِمَا، أَنْ يَذْكُرَا لِلْحَاكِمِ، مَا صَحَّ عِنْدَهُمَا مِنْ لُحُوقِ الْوَلَدِ بِأَحَدِهِمَا فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: يَكُونُ خَبَرًا يُؤَدَّى بِلَفْظِ الْإِخْبَارِ، وَلَا تَكُونُ شَهَادَةً تُؤَدَّى بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ، لِأَنَّ الشَّهَادَةَ تَخْتَصُّ بِفِعْلٍ مَشَاهَدٍ وَقَوْلٍ مَسْمُوعٍ وَلَيْسَ فِي الْقِيَافَةِ، وَاحِدٌ مِنْهُمَا فَكَانَ خَبَرًا، وَلَمْ يَكُنْ شَهَادَةً فَعَلَى هَذَا يَجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ، أَنْ يَسْأَلَهُمَا عَنْ سَبَبِ عِلْمِهِمَا، لِيَجْتَهِدَ رَأْيَهُ فِيهِمَا إِنْ ذَكَرَا اشْتِرَاكَهُمَا فِي الشَّبَهِ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ سُؤَالُهُمَا إِنْ كَانَ مُخْتَصًّا بِأَحَدِهِمَا، دُونَ الْآخَرِ، لِأَنَّ عَلَيْهِ فِي الِاشْتِرَاكِ أَنْ يَجْتَهِدَ رَأْيَهُ فِي التَّرْجِيحِ، فَلَزِمَهُ السُّؤَالُ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي اخْتِصَاصِ أَحَدِهِمَا بِالتَّرْجِيحِ بِالشَّبَهِ، اجْتِهَادُهُ فِي التَّرْجِيحِ فَلَمْ يَلْزَمْهُ السُّؤَالُ، وَلَكِنْ عَلَيْهِ أَنْ يَسْأَلَهُمَا أَفِي الشَّبَهِ اشْتِرَاكٌ؟ حَتَّى يَسْأَلَهُمَا عَنْ سَبَبِهِ، وَيَجْتَهِدَ رَأْيَهُ فِيهِ، أَوْ لَيْسَ فِيهِ اشْتِرَاكٌ؟ حَتَّى لَا يَسْأَلَهُمَا عَنْهُ، وَلَا يَجْتَهِدَ رَأْيَهُ فِيهِ، ويقتنع منهما أن يقولا هذا ولد وهذا دُونَ هَذَا.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ شَهَادَةً تُؤَدَّى بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ عَنْ مشاهدة، لأن الحال يَشْهَدُ، وَالْحُكْمُ مُخْتَصٌّ بِالشَّهَادَةِ دُونَ الْخَبَرِ.
فَعَلَى هَذَا لَا يَجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ أَنْ يَسْأَلَهُمَا عَنْ سَبَبِ عِلْمِهِمَا، لِأَنَّ الشَّاهِدَ لَا يُسْأَلُ عَنْ سَبَبِ عِلْمِهِ بِمَا شَهِدَ لَكِنْ إِنْ كَانَ الشَّبَهُ مُخْتَصًّا بِأَحَدِهِمَا، جَازَ لِلْقَائِفَيْنِ أَنْ يَشْهَدَا بِأَنَّهُ وَلَدُ هَذَا دُونَ هَذَا، وَإِنْ كان الشبه مشتركا يحتاجا إِلَى اجْتِهَادٍ فِي تَرْجِيحٍ فَفِيمَا يَشْهَدَانِ بِهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: يَشْهَدَانِ بِمَا أَدَّى إِلَيْهِ اجْتِهَادُهُمَا مِنْ لُحُوقِ نَسَبِهِ بِأَحَدِهِمَا.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَشْهَدَانِ بِالشَّبَهِ الْمُوجِبِ لِلُحُوقِ النَّسَبِ بِأَحَدِهِمَا لِيَجْتَهِدَ الْحَاكِمُ رأيه دونها، وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ مِنِ اخْتِلَافِ أَصْحَابِنَا، هَلْ يَسُوغُ لِلشُّهُودِ أَنْ يَجْتَهِدُوا فِيمَا يُؤَدُّوهُ إِذَا كَانَ الِاجْتِهَادُ فِيهِ سَمَاعٌ.
فَإِذَا أَدَّى الْقَائِفَانِ إِلَى الْحَاكِمِ مَا عِنْدَهُمَا مِنْ لُحُوقِ النَّسَبِ بِأَحَدِهِمَا خبرا على
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute