للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَطَعَ بِهِ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ، أَوْلَى مِنْ أَحَدِ قَوْلَيْنِ لَمْ يَقْطَعْ بِهِ، وَهَذَا الَّذِي حَكَاهُ عَنِ الشَّافِعِيِّ وَقَطَعَ بِهِ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ، إِنْ كَانَ مِنْهُ قَطْعًا بِصِحَّتِهِ كَانَ تَحْقِيقًا لِمَذْهَبِهِ وَعُدُولًا عَنْ غَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ قطع به، لأن ذَكَرَهُ فِيهَا، وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرَهُ، فَقَدْ تَقَدَّمَ الْجَوَابُ عَنْهُ، وَالْمُزَنِيُّ عَدْلٌ فِيمَا رَوَاهُ مَعْمُولٌ بِمَا حَكَاهُ، وَالظَّاهِرُ مِنْ رِوَايَتِهِ الْقَطْعُ بِصِحَّتِهِ، فَلَا امْتِنَاعَ مِنْ تَصْحِيحِهِ عَلَى مَذْهَبِهِ. وَالْفَصْلُ الْخَامِسُ: قَالَ الْمُزَنِيُّ، وَهُوَ الْقِيَاسُ عَلَى أَصْلِهِ فِي الْقَدِيمِ، إنَّ الْعِتْقَ يَوْمَ تَكَلَّمَ بِالْعِتْقِ، حَتَّى أَقْرَعَ بَيْنَ الْأَحْيَاءِ، وَالْأَمْوَاتِ، فَهَذَا بِقَوْلِهِ أَوْلَى. فَيُقَالُ لَهُ.

أَمَّا الْقُرْعَةُ بَيْنَ مَنْ أَعْتَقَهُمْ فِي مَرَضِهِ إِذَا عَجَزَ الثُّلُثُ عَنْ قيمتهم بعد موته، واجبة، وَخُرُوجُهَا لِأَحَدِهِمْ، مُوجِبٌ لِتَقَدُّمِ عِتْقِهِ فِي حَيَاتِهِ، وَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمْ، وَخَرَجَتْ عَلَيْهِ الْقُرْعَةُ بَعْدَ مَوْتِهِ، بَانَ أَنَّهُ كَانَ حُرًّا قَبْلَ مَوْتِهِ، وَهَذَا مِمَّا لَا يَخْتَلِفُ فِيهِ مَذْهَبُهُ، وَلَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى عِتْقِ حِصَّةِ الشَّرِيكِ قَبْلَ أخذ قيمته، وقوع الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا، فَإِنَّ عِتْقَهُ فِي الْمَرَضِ صَادَفَ مِلْكَهُ، فَوَقَعَ وَإِنَّمَا دَخَلَتِ الْقُرْعَةُ لِاسْتِرْقَاقِ مَا عَجَزَ عَنْهُ الثُّلُثُ، فَصَارَ الْعِتْقُ مُتَقَدِّمًا، وَاسْتِدْرَاكُهُ بِالْعَجْزِ مُتَأَخِّرًا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ عِتْقُهُ فِي حِصَّةِ الشَّرِيكِ، لِأَنَّهُ عِتْقٌ سَرَى إِلَى غَيْرِ مِلْكِهِ، فَلَمْ تَسْتَقِرَّ السِّرَايَةُ إِلَّا بِدَفْعِ بَدَلِهِ، لِئَلَّا يُزَالَ مِلْكُهُ الْمُسْتَقِرُّ بِغَيْرِ بَدَلٍ مُسْتَقِرٍّ، ثُمَّ يُسْتَخْرَجُ مِنْ مَعْنَى الْعِتْقِ فِي الْمَرَضِ دَلِيلٌ عَلَيْهِ أَنَّ الْعِتْقَ فِي حِصَّةِ الشَّرِيكِ لَا يَقَعُ إِلَّا بِدَفْعِ الْقِيمَةِ بِأَنَّ الْعِتْقَ فِي الْمَرَضِ لَمَّا لَمْ يَتَحَرَّرْ إِلَّا بِأَنْ يُجْعَلَ لِلْوَرَثَةِ، مِثْلَا قِيمَتِهِ وَجَبَ أَن لَا تُعْتَقَ حِصَّةُ الشَّرِيكِ، إِلَّا بِأَنْ يَصِلَ إِلَى قِيمَتِهِ فيصير ما ذكره دليل عَلَيْهِ.

الْفَصْلُ السَّادِسُ: قَالَ الْمُزَنِيُّ: وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِنْ أَعْتَقَ الثَّانِي، كَانَ عِتْقُهُ بَاطِلًا، وفي ذلك دليلا عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ مِلْكُهُ بِحَالَةِ الْعِتْقِ، بِإِعْتَاقِهِ إِيَّاهُ، قِيلَ: قَدْ ذَهَبَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ إِلَى أَنَّ عِتْقَ الشَّرِيكِ لَا يَقَعُ إِذَا قِيلَ إِنَّ حِصَّتَهُ قَدْ عَتَقَتْ عَلَى الْمُعْتِقِ بِلَفْظِهِ، وَيُعْتَقُ عَلَى الشَّرِيكِ إِذَا قِيلَ إِنَّ حِصَّتَهُ لَا تُعْتَقُ إِلَّا بِدَفْعِ الْقِيمَةِ، فَخَلَصَ مِنْ هَذَا الِاعْتِرَاضِ، وَالَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا، وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ مَنْصُوصِ الشَّافِعِيِّ، أَنَّ عِتْقَ الشَّرِيكِ لَا يَقَعُ عَلَى الْأَقَاوِيلِ كُلِّهَا، لِأَنَّهُ إِنْ قِيلَ إنَّ الْعِتْقَ قَدْ سَرَى إِلَى حِصَّتِهِ، فَقَدْ أَعْتَقَ بَعْدَ زَوَالِ مِلْكِهِ. وَإِنْ قِيلَ: إِنَّ الْعِتْقَ لَا يَسْرِي إِلَيْهَا إِلَّا بَعْدَ دَفْعِ الْقِيمَةِ، فَقَدْ تَعَلَّقَ بِهَا لِلْمُعْتِقِ حَقُّ السِّرَايَةِ، وَاسْتِحْقَاقُ الْوَلَاءِ، فَأَوْقَعَ عَلَى الشَّرِيكِ فِي مِلْكِهِ حَجْرًا مَنَعَ مِنَ التَّصَرُّفِ فِيهِ بِعِتْقٍ وَغَيْرِهِ، وَالْحَجْرُ يَمْنَعُ مِنْ وُقُوعِ الْعِتْقِ مَعَ ثُبُوتِ الْمِلْكِ، كَالْأَمَةِ إِذَا أُعْتِقَتْ تَحْتَ عَبْدٍ فَطَلَّقَهَا قَبْلَ الْفَسْخِ، لَمْ يَقَعْ طَلَاقُهُ فِي الْحَالِ، وَإِنْ كَانَ مَالِكًا لِلْبُضْعِ لِمَا فِي وُقُوعِ طَلَاقِهِ مِنْ إِبْطَالِ حَقِّ الزَّوْجَةِ مِنَ الْفَسْخِ، وَصَارَ حَقُّهَا فِيهِ مَوْقِعًا لِلْحَجْرِ عَلَيْهِ فِي طَلَاقِهِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>