النِّدَاءَ عَلَى هَذَا الْوَصْفِ فَقَدْ لَزِمَهُمْ حُضُورُ الْجُمْعَةِ. هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَمِنَ التَّابِعِينَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، وَمِنَ الْفُقَهَاءِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: إِنْ كَانُوا إِذَا صَلَّوُا الْجُمْعَةَ فِي الْمِصْرِ يُمْكِنُهُمْ أَنْ يَأْوُوا بِاللَّيْلِ فِي مَنَازِلِهِمْ لَزِمَتْهُمُ الْجُمْعَةُ، وَإِنْ لَمْ يمكنهم أن لا يأووا لَيْلًا فِي مَنَازِلِهِمْ فَلَا جُمْعَةَ عَلَيْهِمْ وَبِهِ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ ابْنُ عُمَرَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: إِنْ كَانُوا عَلَى سِتَّةِ أَمْيَالٍ لَزِمَتْهُمُ الْجُمْعَةُ، وَإِنْ كَانُوا عَلَى أَكْثَرَ لَمْ تَلْزَمْهُمْ
وَقَالَ رَبِيعَةُ: إِنْ كَانُوا عَلَى أَرْبَعَةِ أَمْيَالٍ لَزِمَتْهُمُ الْجُمْعَةُ، وَإِنْ كَانُوا عَلَى أَكْثَرَ لَمْ تَلْزَمْهُمْ وَقَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ: إِنْ كَانُوا عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ لَزِمَتْهُمُ الْجُمْعَةُ، وَإِنْ كَانُوا عَلَى أَكْثَرَ لَمْ تَلْزَمْهُمْ. وَقَالَ أبو حنيفة: لَا جُمْعَةَ عَلَى مَنْ كَانَ خَارِجَ الْمِصْرِ بِحَالٍ قَرُبَ أَوْ بَعُدَ تَعَلُّقًا بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا جُمْعَةَ وَلَا تَشْرِيقَ إِلَّا عَلَى أَهْلِ مِصْرٍ جَامِعٍ " فَنَفَى وُجُوبَ الْجُمْعَةِ عَمَّنْ كَانَ فِي غَيْرِ مِصْرٍ جَامِعٍ، قَالَ: وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يُقِيمُ الْجُمْعَةَ بِالْمَدِينَةِ فَلَا يَدْعُو أَهْلَ العوالي والسواد، وَلَوْ وَجَبَتْ عَلَيْهِمْ لَوَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْمُرَهُمْ بِهَا، قَالَ: وَلِأَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ لَا تَجِبُ فِيهِ صَلَاةُ الْجُمْعَةِ لَا تَجِبُ عَلَى أَهْلِهِ الجمعة، قياساً على من لم يَسْمَعُ النِّدَاءَ
قَالَ: وَلِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ سَمَاعُ النِّدَاءِ فِي الْبَلَدِ شَرْطًا فِي وُجُوبِ الْجُمْعَةِ لِأَنَّهَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعُوهُ، وجب أن يبطل الاعتبار به فيمن خارج البلد، فلا تجب عليهم الجمعة وإن سمعوه، قَالَ: وَلِأَنَّ مَا قَرُبَ مِنَ الْبَلَدِ فِي حُكْمِ مَا بَعُدَ عَنْهُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ نَوَى السَّفَرَ، وَفَارَقَ بُنْيَانَ الْبَلَدِ، جَازَ لَهُ الْقَصْرُ وَالْمَسْحُ ثَلَاثًا كَمَا لَوْ بَعُدَ عَنْهُ، فَلَمَّا لَمْ تَجِبِ الْجُمْعَةُ عَلَى مَنْ بَعُدَ لَمْ تَجِبْ عَلَى مَنْ قَرُبَ
وَالدَّلَالَةُ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِنَا وَفَسَادِ قَوْلِهِ: قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: ٩] . فَكَانَ عُمُومُ الظَّاهِرِ يَقْتَضِي إِيجَابَ السَّعْيِ إِلَيْهَا عِنْدَ سَمَاعِ النِّدَاءِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ النِّدَاءَ عَلَمًا لَهَا، وَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ عموم قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " تَجِبُ الْجُمُعَةُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ إِلَّا امْرَأَةً أَوْ صَبِيًّا أَوْ مَمْلُوكًا ". فَاسْتَثْنَى بَعْدَ عُمُومِ الْإِيجَابِ مَنْ لَا تَلْزَمُهُ الْجُمْعَةُ مِنَ الْمَرْأَةِ وَالصَّبِيِّ، وَالْمَمْلُوكِ، فَدَخَلَ مَنْ كَانَ خَارِجَ الْمِصْرِ فِي عُمُومِ الْإِيجَابِ، وَلَمْ يَدْخُلْ خُصُوصَ الِاسْتِثْنَاءِ، وَالِاعْتِمَادُ عَلَى هَذِهِ الدَّلَالَةِ جَيِّدٌ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا مَا رَوَى قَبِيصَةُ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ الطَّائِفِيِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute