عن أبي سلمة بْنِ نُبَيْهٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هَارُونَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " تَجِبُ الْجُمْعَةُ عَلَى كُلِّ مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ ". وَهَذَا نَصٌّ فِيمَنْ كَانَ خَارِجَ الْمِصْرِ؛ لِأَنَّ سَمَاعَ النِّدَاءِ فِي أَهْلِ الْمِصْرِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ، فَإِنْ قِيلَ الْخَبَرُ مَوْقُوفٌ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، غَيْرُ مُسْنَدٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
قُلْنَا: أَبُو دَاوُدَ رَوَاهُ عَنْ سُفْيَانَ مَوْقُوفًا على عبد الله بن عمروا بْنِ الْعَاصِ وَقَدْ أَسْنَدَهُ قَبِيصَةُ وَهُوَ ثِقَةٌ، وَالْخَبَرُ عِنْدَنَا إِذَا رَوَاهُ رَاوٍ تَارَةً مَوْقُوفًا وَتَارَةً مُسْنَدًا، حُمِلَ الْمَوْقُوفُ عَلَى فَتْوَاهُ وَحُمِلَ الْمُسْنَدُ عَلَى رِوَايَتِهِ
وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ يَسْمَعُونَ النِّدَاءَ فَلَا يَحْضِرُونَ الْجُمْعَةَ أَوْ لَيَطْبَعَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى قُلُوبِهِمْ ". وَلِأَنَّ أبا حنيفة خَالَفَ إِجْمَاعَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ؛ لِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: الاعتبار بسماع النداء وابن عمر وأبا هريرة وأنس قالوا: إن الاعتبار بالإيواء إلى الوطن. ولم يرو عنهم غير هذا. وَالصَّحَابَةَ إِذَا أَجْمَعَتْ عَلَى قَوْلَيْنِ فِي مَسْأَلَةٍ فإحداث قول ثالث محرم، كما إذا أجمعوا على قول واحد كان إحداث قول ثان محرماً، وَلِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ سَمَاعِ النِّدَاءِ مَعَ ارْتِفَاعِ الْعَوَارِضِ، فَوَجَبَ أَنْ تَلْزَمَهُ الْجُمْعَةُ كَأَهْلِ الْمِصْرِ، وَلِأَنَّهَا صَلَاةٌ مَفْرُوضَةٌ فَلَمْ يُخْتَصَّ بِهَا أَهْلُ الأمصار كالظهر، ولأنها عبادة عَلَى الْبَدَنِ شَرْطٌ فِيهَا الْحُرِّيَّةُ، فَجَازَ أَنْ يُشْتَرَطَ فِيهَا قَطْعُ مَسَافَةٍ كَالْحَجِّ
فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ " لَا جُمُعَةَ إِلَّا عَلَى أَهْلِ مِصْرٍ جَامِعٍ " فَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَمَوْقُوفٌ عَلَيْهِ، وَلَوْ صَحَّ مُسْنَدًا لَحُمِلَ عَلَى مَنْ لَمْ يَسْمَعِ النِّدَاءَ، وَخُصَّ بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " الْجُمُعَةُ عَلَى كُلِّ مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ " لِأَنَّهُ عَامٌّ، وَهَذَا خَاصٌّ مِنْهُ
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَمْ يَأْمُرْ أَهْلَ الْعَوَالِي وَالسَّوَادِ بِهَا فَبُهْتٌ مَعَ نَصِّ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، وَسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَمَرَهُمْ بِهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: ٩] وَرَسُولُ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَدْ نَدَبَهُمْ إِلَيْهَا فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " تَجِبُ الْجُمُعَةُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ "
وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ فَالْمَعْنَى فِي أَصْلِهِ: أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُمْ شِعَارُ الْجُمْعَةِ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ لَمَّا بَطَلَ اعْتِبَارُ النِّدَاءِ فِي الْبَلَدِ بَطَلَ اعْتِبَارُهُ خَارِجَ الْبَلَدِ وَهُوَ نِدَاءُ الْجَامِعِ فَلَا يُعْتَبَرُ فِي أَهْلِ الْبَلَدِ وَلَا فِي الْخَارِجِينَ عَنْهُ، وَالنِّدَاءُ الَّذِي اعْتَبَرْنَاهُ خارج البلد اعتبرناه في البلد هو النِّدَاءُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ مِنْهُ فَاسْتَوَيَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute