للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وذلك ما روى الشَّافِعِيُّ عَنِ ابْنِ عُلَيَّةَ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ شريك عن معاذ عن عائشة رضي الله عنها قَالَتْ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " عَنِ الدُّبَّاءِ وَالْمُزَفَّتِ وَالْحَنْتَمِ وَالنَّقِيرِ) ، وَتَفْسِيرُ هَذِهِ الْأَوَانِي مَحْكِيٌّ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ الثَّقَفِيِّ قَالَ: أَمَّا الدُّبَّاءُ فَإِنَّا مَعَاشِرَ ثَقِيفٍ كُنَّا بِالطَّائِفِ نَأْخُذُ الدُّبَّاءَ يَعْنِي الْيَقْطِينَةَ مِنَ الْقَرْعِ فَنَخْرُطُ فِيهَا عَنَاقِيدَ الْعِنَبِ، ثُمَّ نَدْفِنُهَا حَتَّى تَهْدِرَ، ثُمَّ تَمُوتَ. وَأَمَّا النَّقِيرُ فَإِنَّ أَهْلَ الْيَمَامَةِ كانوا ينقرون أصل النخلة ثم يشرفون فيها الرطب أو البسر حتى تهدر أو تموت. وأما المزفت فالأوعية التي تُطْلَى بِالزِّفْتِ.

وَأَمَّا الْحَنْتَمُ فَجِرَارٌ حُمْرٌ كَانَتْ تحمل إلينا فيها الخمر.

وقال الْأَصْمَعِيُّ: هِيَ الْجِرَارُ الْخُضْرُ خَاصَّةً وَقَالَ آخَرُونَ: كُلُّ نَوْعٍ مِنَ الْجِرَارِ حَنْتَمٌ وَإِنِ اخْتَلَفَتْ ألوانها.

وهو الأصح لِرِوَايَةِ الشَّافِعِيِّ: عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ عَنِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " عن نبيذ الجر الْأَخْضَرِ وَالْأَبْيَضِ وَالْأَحْمَرِ) ؛ وَفِي نَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَنِ الِانْتِبَاذِ فِي هَذِهِ الْأَوَانِي وَإِنْ كَانَ حكم جميعها واحد تَأْوِيلَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ، فَجُعِلَ النَّهْيُ عَنْ هَذِهِ الْأَوَانِي مُقَدَّمَةً ينوطون بِهَا عَلَى مَا يَرِدُ بَعْدَهَا مِنْ تَحْرِيمِ الخمر؛ لأنهم قد كانوا ألغوها فواطأهم لِتَحْرِيمِهَا.

وَالتَّأْوِيلُ الثَّانِي: أَنَّهُ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ التحريم؛ لأنه حرم عليهم المسكر وأباحهم غير المسكر، وهذه الأواني يتعجل إسكار شاربها فَنَهَى عَنْهَا لِيَطُولَ مُكْثُ مَا لَا يُسْكِرُ فِي غَيْرِهَا؛ وَلِذَلِكَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِإِرَاقَةِ مَا نَشَّ مِنَ الشَرَابِ وَأُتِيَ بِشَرَابٍ قَدْ نَشَّ فَضَرَبَ بِهِ عُرْضَ الْحَائِطِ وَقَالَ: " إِنَّمَا يَشْرَبُ هَذَا مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ) .

وَمِنْ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ: عَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لا تجمعوا بين الرطب والبسر وبين الزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ نَبِيذًا) وَفِي نَهْيِهِ عَنِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا مَا ذَكَرْنَا مِنَ التَّأْوِيلَيْنِ، وَإِنْ كَانَ حُكْمُهَا فِي الِانْفِرَادِ وَالْجَمْعِ سَوَاءً.

أَحَدُ التَّأْوِيلَيْنِ: أَنَّ ذَلِكَ قَبْلَ التَّحْرِيمِ تَوْطِئَةً لَهُمْ فِي التحريم؛ لأنهم كانوا

<<  <  ج: ص:  >  >>