للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليهما، وقيدهما في الحال، فلما دخل مراكش قتلهما صبرًا، فهابه جميع القرابة وخافوه.

ثم أظهر بعد زهدًا وتقشفًا وخشونة عيش وملبس، وعظم صيت العباد والصالحين في زمانه، وكذلك أهل الحديث، وارتفعت مراتبهم عنده، فكان يسألهم الدعاء. وانقطع في أيامه علم الفروع، وخاف منه الفقهاء، وأمر بإحراق كتب المذهب بعد أن يجرد ما فيها من الحديث، فأحرق منها جملة في سائر بلاده، كالمدونة، وكتاب ابن يونس، ونوادر ابن أبي زيد، والتهذيب للبراذعي، والواضحة لابن حبيب.

قال محيي الدين عبد الواحد بن علي المراكشي في كتاب المعجب له: ولقد كنت بفاس، فشهدت يؤتى بالأحمال منها فتوضع ويطلق فيها النار.

قال: وتقدم إلى الناس بترك الفقه والاشتغال بالرأي والخوض فيه، وتوعد على ذلك، وأمر من عنده من المحدثين بجمع أحاديث من المصنفات العشرة وهي: الموطأ، والكتب الخمسة، ومسند أبي بكر بن أبي شيبة، ومسند البزار، وسنن الدراقطني، وسنن البيهقي في الصلاة وما يتعلق بها، على نحو الأحاديث التي جمعها ابن تومرت في الطهارة.

فجمعوا ذلك، فكان يُمليه بنفسه على الناس، ويأخذهم بحفظه. وانتشر هذا المجموع في جميع المغرب وحفظه خلق. وكان يجعل لمن حفظه عطاء وخلعة.

وكان قصده - في الجملة - محو مذهب مالك رضي الله عنه، وإزالتَه من المغرب. وحمل الناس على الظاهر من القرآن والسنة. وهذا المقصد بعينه كان مقصد أبيه وجده، إلا أنهما لم يُظهراه، وأظهره هو.

أخبرني غير واحد ممن لقي الحافظ أبا بكر ابن الجد أنه أخبرهم قال: دخلت على أمير المؤمنين أبي يعقوب يوسف أول دخلةٍ دخلتها عليه، فوجدت بين يديه كتاب ابن يونس، فقال لي: يا أبا بكر، أنا أنظر في هذه الآراء المتشعبة التي أحدثت في دين الله. أرأيت يا أبا بكر المسألة فيها أربعة أقوال، وخمسة أقوال، أو أكثر، في أي هذه الأقوال الحق؟ وأيها يجب أن يأخذ به المقلد؟ فافتتحت أبين له، فقال لي، وقطع كلامي:

<<  <  ج: ص:  >  >>