وفيها كان الجهد والجوع ببغداد حتى أكلوا الكلاب والجيف، وعظم الوباء، فكانوا يحفرون الحفائر ويلقون فيها الموتى ويطمونهم، وأما بخارى وسمرقند وتلك الديار، فكان الوباء بها لا يحد ولا يوصف، بل يستحى من ذكره حتى قيل: إنه مات ببخارى وأعمالها في الوباء ألف ألف وستمائة ألف نسمة.
[سنة خمسين وأربعمائة]
فيها خطب للمستنصر بالله العبيدي على منابر العراق، وخلع القائم بأمر الله.
وكان من قصة ذلك أن السلطان طغرلبك اشتغل بحصار تلك النواحي ونازل الموصل. ثم توجه إلى نصيبين لفتح الجزيرة وتمهيدها، وراسل البساسيري إبراهيم ينال أخا السلطان يعده ويمنيه ويطمعه في الملك. فأصغى إليه وخالف أخاه، وساق في طائفة من العسكر إلى الري. فانزعج السلطان وسار وراءه، وترك بعض العسكر بديار بكر مع زوجته ووزيره عميد الملك الكندري وربيبه أنوشروان. فتفرقت العساكر وعادت زوجته الخاتون بالعسكر إلى بغداد.
وأما السلطان فالتقى هو وأخوه فظهر عليه أخوه، فدخل السلطان همذان، فنازله أخوه وحاصره. فعزمت الخاتون على إنجاد زوجها، واختبطت بغداد، واستفحل البلاء، وقامت الفتنة على ساق، وتم للبساسيري ما دبر من المكر، وأرجف الناس بمجيء البساسيري إلى بغداد، ونفر الوزير الكندري وأنوشروان إلى الجانب الغربي وقطعا الجسر، ونهبت الغز دار الخاتون، وأكل القوي الضعيف، وجرت أمور هائلة.
ثم دخل البساسيري بغداد في ثامن ذي القعدة بالرايات المستنصرية عليها ألقاب المستنصر، فمال إليه أهل باب الكرخ وفرحوا به، وتشفوا بأهل السنة، وشمخت أنوف المنافقين، وأعلنوا بالأذان بحي على خير العمل.
واجتمع خلق من أهل السنة إلى القائم بأمر الله، وقاتلوا معه، ونشبت الحرب بين الفريقين في السفن أربعة أيام، وخطب يوم الجمعة ثالث عشر ذي