فقال: من أنت؟ قال: ملك الموت جئت لقبض روحك، ثم قتله، ثم وصل الخبر إلى أبي طاهر الصائغ، فسار إلى فامية، وهو لا يشك أنها له، فقال القاضي: إن وافقتني وأقمت معي، وإلا فارجع، فآيس ورجع.
وكان عند طغتكين الأتابك ولد لابن ملاعب، فولاه حصناً، فقطع الطريق، وأخذ القوافل كأبيه، فهم طغتكين بالقبض عليه، فهرب إلى الفرنج، واستدعاهم إلى فامية، وقال: ما فيها إلا قوت شهر، فنازلوه وحاصروه، وجاع أهله، وملكته الفرنج، فقتلوا القاضي المذكور، وظفروا بالصائغ فقتلوه، وهو الذي أظهر مذهب الباطنية بالشام، فقيل: لم يقتلوه وإنما بقي إلى سنة سبعٍ وخمسمائة، فقتله ابن بريع رئيس حلب بعد موت رضوان صاحبها.
وفيها ملك سيف الدولة صدقة بن مزيد الأسدي البصرة، وحكم عليها، وأقام بها نائباً، وجعل معه مائةً وعشرين فارسا، فاجتمعت ربيعة والعرب في جمع كبير، وقصدوا البصرة، فقاتلهم النائب ألتونتاش، فأسروه، ودخلوا البلد بالسيف، فنهبوا وأحرقوا، وما أبقوا ممكناً، وانتشر أهلها في السواد، وأقامت العرب تفسد شهراً، فأرسل صدقة عسكراً، وقد فات الأمر.
وأما ابن عمار فكان يخرج من طرابلس وينال من الفرنج، وخرب الحصن الذي أقامه صنجيل، وحرق فيه، فرجع صنجيل ومعه جماعة من القمامصة والفرسان، فوقف على بعض السقوف المحترقة، فانخسف، فمرض صنجيل عشرة أيام ومات، لعنه الله؛ وحملت جيفة الملعون إلى القدس، فدفنت به، ولم يزل الحرب بين أهل طرابلس والفرنج خمس سنين إلى هذا الوقت، فعدموا الأقوات، وافتقر الأغنياء، وجلا الفقراء، وظهر من ابن عمار صبر وثبات، وشجاعة عظيمة، ورأي، وحزم، وكانت طرابلس من أعظم بلاد الإسلام وأكثرها تجملاً وثروة، فباع أهلها من الحلي والآلات الفاخرة ما لا يوصف بأقل ثمن، ولا أحد يغيثهم، ولا من يكشف عنهم.