عمادُ الدّين ابن الحَرَسْتاني. وأقام المظفّر نحو الشّهر، وسار إلى الدّيار المصريّة.
ونقل الصّاحب عزّ الدّين ابن شدّاد أنّ المظفَّر لمّا ملك دمشق عَزَم على التَّوجُّه إلى حلب لينظّف آثار التّتار من البلاد، فوشى إليه واشٍ أنّ رُكْن الدّين البندُقْداري قد تنكّر له وتغيّر عليه، وأنّه عاملٌ عليك. فصرف وجهه عن قصْده، وعَزَم على التَّوجُّه إلى مصر وقد أضمر الشّرّ للبُنْدُقْداريّ. وأسرَّ ذلك إلى بعض خواصه، فاطَّلع على ذلك البندُقْداري. ثم ساروا والحُقُود ظاهرة في العيون والخُدود، وكلّ منهما متحِّرس من صاحبه. إلى أن أجمع ركن الدّين البُنْدُقْداريّ على قتل المظفَّر. واتفق معه سيف الدّين بَلَبَان الرّشيديّ، وبهادر المُعِزّيّ، وبيدغان الرُكُنيّ، وبكتوت الجوكنْدار، وبَلَبَان الهارونيّ، وأنس الأصبهاني، الأمراء. فلمّا قارب القصير الّذي بالرمل عرّج للصَّيْد، ثمّ رجع، فسايره البُنْدُقْداري وأصحابه، وحادَثَه، وطلب منه امرأة من سبي التّتار، فأنعم له بها، فأخذ يده ليقبّلها، وكانت تلك إشارة بينه وبين أولئك، فبادره بدر الدّين بكتوت الجوكنْدار المُعِزّيّ، فضربه بالسّيف على عاتقه فأبانه، ثمّ رماه بهادر المُعِزّيّ بسهْم قضى عليه، وذلك يوم سادس عشر ذي القعدة.
ثم ساروا إلى الدِّهليز وضربوا مشورة فيمن يملّكوه عليهم، فاتّفقوا على رُكن الدّين البُنْدُقْداريّ. وتقدّم الأمير فارس الدّين أقطايّ المعروف بالأتابك فبايعه، ثمّ تلاه الرشيديّ، ولُقِّب بالملك القاهر.
ثمّ ساق هو والأتابك، وقلاوون الّذي تسلطن، والبيْسَريّ، وجماعة، وقصد قلعة مصر، ورتَّب آقوش النّجيبيّ أستاذ داره، وعزّ الدّين الأفرم أمير جنْدار. فخرج نائب الملك المظفَّر على القاهرة للقائه، وهو الأمير عزّ الدّين الحلّيّ، فصادف هؤلاء فأخبروه بما وقع، فحلف لرُكن الدّين، وردّ إلى القلعة ووقف على بابها ينتظره.
وكانت القاهرة قد زيّنت لقدوم المظفَّر وهم في فرحة، فلمّا طلع الضّوء لم يشعورا إلاّ والمنادي يقول: مَعْشَر النّاس، ادعُوا لسلطانكم الملك القاهر رُكنْ الدّنيا والدّين. ووعدهم بالإحسان وإزالة المؤن لأنّ الملك المظفَّر رحمه الله كان قد أحدّث على المصريين حوادث كثيرة، منها تصقيع الأملاك