وأما العبيد فغلبوا على الصعيد، وقطعوا السبل، فسار إليهم ابن حمدان، ففروا منه إلى الصعيد الأعلى، فقصدهم وحاربهم، فهزموه. وجاء الفل إلى القاهرة. ثم نصر عليهم وعظم شأنه، واشتدت وطأته، وصار هو الكل، فحسده أمراء الترك لكثرة استيلائه على الأموال، وشكوه إلى الوزير، فقوى نفوسهم عليه وقال: إنما ارتفع بكم. فعزموا على مناجزته، فتحول إلى الجيزة، فنهبت دوره ودور أصحابه، وذل وانحل نظامه.
فدخل في الليل إلى القائد تاج الملوك شاذي واستجار به، وحالفه على قتل الأمير إلدكز، والوزير الخطير. فركب إلدكز فقتل الوزير. ونجا إلدكز، وجاء إلى المستنصر فقال: إن لم تركب وإلا هلكت أنت ونحن. فركب في السلاح، وتسارع إليه الجند والعوام، وعبى الجيش، فحملوا على ابن حمدان فانكسر واستحر القتل بأصحابه، وهرب فأتى بني سنبس، وتبعه فل أصحابه، فصاهر بني سنبس وتقوى بهم، فسار الجيش لحربه، فأراد أحد المقدمين أن يفوز بالظفر، فناجزه بعسكره، والتقوا فأسره ابن حمدان، وقتل طائفة من جنده. ثم عدى إليه فرقة ثانية لم يشعروا بما تم، فحمل عليهم، ورفع رؤوس أولئك على الرماح، فرعبوا وانهزموا، وقتلت منهم مقتلة. وساق وكبس بقية العساكر، فهزمهم، ونهب الريف، وقطع الميرة عن مصر في البر والبحر، فغلت الأسعار، وكثر الوباء إلى الغاية، ونهبت الجند دور العامة، وعظم الغلاء، واشتد البلاء.
قال ابن الأثير: حتى إن أهل البيت الواحد كانوا يموتون كلهم في ليلة واحدة. واشتد الغلاء حتى حكي أن امرأة أكلت رغيفاً بألف دينار، فاستبعد ذلك، فقيل إنها باعت عروضها، وقيمته ألف دينار، بثلاثمائة دينار، واشترت بها قمحاً، وحمله الحمال على ظهره، فنهبت الحملة في الطريق، فنهبت هي مع الناس، فكان الذي حصل لها رغيفاً واحداً.
وجاء الخلق ما يشغلهم عن القتال، ومات خلق من جند المستنصر، وراسل الأتراك الذين حوله ناصر الدولة في الصلح، فاصطلحوا على أن يكون