وحضر جماعة؛ منهم: هارون الحمال، وأحمد بن منيع، وابن الدورقي، وأنا، وأبي، وصالح، وعبد الله فجعلنا نكتب من يذكرونه من أهل العفاف والصلاح ببغداد والكوفة، فوجه منها إلى أبي سعيد الأشج، وإلى أبي كريب، وإلى من ذكر من أهل العلم والسنة ممن يعلمون أنه محتاج. ففرقها كلها ما بين الخمسين إلى المائة والمائتين، فما بقي في الكيس درهم، ثم تصدق بالكيس على مسكين. فلما كان بعد ذلك مات إسحاق بن إبراهيم وابنه محمد، وولي بغداد عبد الله بن إسحاق، فجاء رسوله إلى أبي عبد الله، فذهب إليه، فقرأ عليه كتاب المتوكل وقال له: يأمرك بالخروج. فقال: أنا شيخ ضعيف عليل. فكتب عبد الله بما رد عليه، فورد جواب الكتاب أن أمير المؤمنين يأمره بالخروج. فوجه عبد الله جنوده، فباتوا على بابنا أياما حتى تهيأ أبو عبد الله للخروج، فخرج وخرج صالح، وعبد الله، وأبو زميلة. قال صالح: كان حمل أبي إلى المتوكل سنة سبع وثلاثين ومائتين، ثم عاش إلى سنة إحدى وأربعين، فكان قل يوم يمضي إلا ورسول المتوكل يأتيه.
قال حنبل في حديثه: وقال أبي ارجع. فرجعت، فأخبرني أبي قال: لما دخلنا إلى العسكر إذا نحن بموكب عظيم مقبل، فلما حاذى بنا قالوا: هذا وصيف. وإذا بفارس قد أقبل، فقال لأحمد: الأمير وصيف يقرئك السلام، ويقول لك: إن الله قد أمكنك من عدوك، يعني ابن أبي دؤاد، وأمير المؤمنين يقبل منك، فلا تدع شيئا إلا تكلمت به. فما رد عليه أبو عبد الله شيئا. وجعلت أنا أدعو لأمير المؤمنين، ودعوت لوصيف، ومضينا فأنزلنا في دار إيتاخ، ولم يعلم أبو عبد الله، فسأل بعد ذلك: لمن هذه الدار؟ قالوا: هذه دار إيتاخ. فقال: حولوني، اكتروا لي دارا، فلم نزل حتى اكترينا له دارا. وكانت تأتينا في كل يوم مائدة فيها ألوان يأمر بها المتوكل، والفاكهة والثلج، وغير ذلك. فما نظر إليها أبو عبد الله، ولا ذاق منها شيئا. وكانت نفقة المائدة كل يوم مائة وعشرين درهما. وكان يحيى بن خاقان، وابنه عبيد الله، وعلي بن الجهم يأتون أبا عبد الله ويختلفون إليه برسالة المتوكل. ودامت العلة بأبي عبد الله وضعف ضعفا شديدا. وكان يواصل، فمكث ثمانية أيام لا يأكل ولا يشرب. فلما كان في اليوم الثامن دخلت عليه، وقد كاد أن يطفأ، فقلت: يا أبا عبد الله، ابن