غير نفر يسير من خواصه، فلما وصلت الأمراء إلى نيسابور، أحضروا سليمان شاه بن محمد بن ملكشاه، فدخل نيسابور في جمادى الآخرة من سنة ثمان وأربعين، وخطبوا له بالسلطنة، وساروا فواقعوا الغزّ، وقتلوا منهم مقتلة، فتجمّعت الغز للمصافّ، فلما التقى الجمعان انهزم الخراسانيون يقصدون نيسابور، وتبعتهم الغزّ، ودخلوا طوس، فاستباحوها قتلًا وسبيًا، وقتلوا إمامها محمد المارشكي، ونقيب العلويين عليًا الموسوي، وخطيبها إسماعيل بن عبد المحسن، وشيخ الشيوخ محمد بن محمد، ووصلوا إلى نيسابور سنة تسع وأربعين في شوال، فلم يجدوا دونها مانعًا، فنهبوها نهبًا ذريعا، وقتلوا أهلها، حتى إنه أُحصي في محلّتين خمسة عشر ألف قتيل، وكانوا يطلبون من الرجل المال، فإذا أعطاهم المال قتلوه، وقتلوا الفقيه محمد بن يحيى الشافعي، ورثاه جماعة من العلماء، وممن قُتل الشيخ عبد الرحمن بن عبد الصمد الأكّاف الزاهد، وأحمد بن الحسن، الكاتب سِبط القُشَيري، وأبو البركات ابن الفُراوي، والفقيه الصبّاغ أحد المتكلمين، وأحمد بن محمد بن حامد، وعبد الوهاب المولقاباذي، والقاضي صاعد بن عبد الملك بن صاعد، والحسين بن عبد الحميد الرازي، وخلق، وأحرقوا ما بها من خزائن الكتب، فلم يسلم إلا بعضُها، وفعلوا ما لا تفعله الكفار، وانحلّ أمر السلطان بالكلية، فاجتمع الأمراء، وراسلوا محمود بن محمد ابن أخت السلطان سنجر، وخطبوا له بخراسان، وأحضروه وملّكوه، وانقادوا له في شوال سنة تسع، وساروا معه إلى الغزّ، وهم يحاصرون هَراة، فجرت بينهم حروب في أكثرها الظّفَر للغُزّ، وكان لسنجر مملوك أي أبَه، ولقبه المؤيّد، استولى على نيسابور، وطوس، ونَسا، وأبيوَرد، وأزاح الغزّ، وقتل منهم خلقًا، وأحسن السيرة، وعظُم شأنه، وكُثر جمعه، والتزم بحمل مالٍ إلى الخاقان محمود بن محمد ابن أخت سنجر.
قال ابن الأثير: وفيها أخذت الفرنج عسقلان، وكانت للظافر بالله، وكان الفرنج كل سنة يقصدونها ويحصرونها، وكان المصريون يرسلون إليها الأسلحة والذخائر والأموال، فلما قُتل ابن السّلار في هذا العام اغتنم الفرنج اشتغال المصريين، ونازلوها، وجدّوا في حصارها، فخرج المسلمون وقاتلوهم وطردوهم، فأيسوا من أخذها، وعزموا على الرحيل عنها، فأتاهم الخبر بأن أهل البلد قد اختلفوا، وذلك لأنهم لما قهروا الفرنج داخلهم العجب، وادعى كل طائفة أن النصرة على يده، ووقع بينهم خصام على ذلك،