قال ابن النجار: أسلمه أبوه في صغره إلى سِبط الخياط، فلقّنه القرآن وجوّد عليه، ثم حفّظه القرآن وله عشر سنين. إلى أن قال: تفرّد بأكثر مَرْويّاته، سافر عن بغداد سنة ثلاث وأربعين، ودخل همذان فأقام بها سنين يتفقّه على مذهب أبي حنيفة على سعْد الرازي بمدرسة السلطان طغرل. ثم إن أباه حج سنة أربع وأربعين فمات في الطريق، فعاد أبو اليُمن إلى بغداد، ثم توجّه إلى الشام، واستوزره فرخ شاه، ثم بعده اتصل بناحية تقي الدين عمر صاحب حماة، واختصّ به وكثُرت أمواله. وكان المعظَّم يقرأ عليه الأدب، ويقصده في منزله، ويعظّمه. قرأت عليه كثيرًا، وكان يصلني بالنفقة. ما رأيت شيخًا أكمل منه فضلًا ولا أتم منه عقلًا ونُبلًا وثقة وصِدقًا وتحقيقًا ورزانة، مع دماثة أخلاقه. وكان مَهيبًا، وقورًا، أشبه بالوزراء من العلماء بجلالته وعلوّ منزلته. وكان أعلم أهل زمانه بالنحو؛ أظنّه يحفظ كتاب سيبوَيْه. ما دخلت عليه قط إلا وهو في يده يطالعه، في مجلدٍ واحدٍ رفيع، فكان يقرأها بلا كُلفة وقد بلغ التسعين. وكان قد مُتّع بسمعه وبصره وقوته. وكان مليح الصورة، ظريفًا، إذا تكلم ازداد حلاوة، وله النظم والنثر والبلاغة الكاملة. إلى أن قال: حضرت الصلاة عليه.
وقال أبو شامة: ورد الكِندي ديار مصر، يعني في سنة بضعٍ وستين وخمسمائة، قال: وكان أوحد الدهر، فريد العصر، فاشتمل عليه عز الدين فرُّوخ شاه بن شاهنشاه بن أيّوب، ثم ابنه الأمجد صاحب بَعلبكّ، ثم تردّد إليه بدمشق الملك الأفضل علي ابن صلاح الدين، وأخوه الملك المحسن، وابن عمه الملك المعظَّم عيسى ابن العادل. وقال ضياء الدين ابن أبي الحجّاج الكاتب