مشاعل، وأمّا أمُّ النّيران الكبيرة فهي جبال نيران حُمر، وما أقدر أصف هذه النار.
ومن كتاب آخر: ظهر في شرقيّ المدينة نارٌ عظيمة بينها وبين المدينة نصف يوم انفجرت من الأرض، وسال منها وادٍ من نار حتّى حاذت جبل أُحُد، ثمّ وقفت. ولا ندري ماذا نفعل. ووقت ظهورها دخل أهلُ المدينة إلى نبيهم صلى الله عليه وسلم مستغفرين تائبين إلى ربّهم.
وفي كتاب آخر: في أوّل جمادى الآخرة ظهر بالمدينة صوت كالرّعد البعيد، فبقي يومين، وفي ثالث الشّهر تعقّبه زلزال فتقيم ثلاثة أيّام، يقع في اليوم واللّيلة أربع عشرة زلزلة. فلمّا كان يوم خامسه انبجست الأرض من الحرَّة بنار عظيمة يكون قدرها مثل مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي برأي العين من المدينة تُشاهد، وهي ترمي بشَرَر كالقصر. وهي بموضع يقال له أحلين، وقد سال من هذه النار وادٍ يكون مِقداره أربعة فراسخ، وعرضه أربعة أميال، وعُمقه قامةٌ ونصف، وهو يجري على وجه الأرض وتخرج منه أمهاد وجبال صغار، ويسير على وجه الأرض، وهو صخر يذوب حتّى يبقى مثل الآنك، فإذا خمد صار أسود، وقبْل الخمود لونه أحمر، وقد حصل إقلاعٌ عن المعاصي وتقرُّبٌ بالطاعات. وخرج أمير المدينة عن مظالم كثيرة.
ومن كتاب قاضي المدينة سنان الحُسينيّ يقول في التّاريخ: لقد والله زُلزِلت مرة ونحن حول الحُجْرة النَّبوية، فاضطرب بها المِنبر والقناديل. ثم طلع في رأس أحلين نارٌ عظيمة مثل المدينة العظّيَمة، وما بانت لنا إلاّ ليلة السّبت وأشفقنا منها، وطلعتُ إلى الأمير وكلّمته وقلت: قد أحاط بنا العذاب، ارجعْ إلى الله. فأعتقَ كلّ مماليكه وردّ على جماعة أموالهم. فلمّا فعل ذلك قلت: اهبط معنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فهبط وبتنا ليلة السّبت، النّاسُ جميعُهم [١٤/ ٦٦٣] والنّسوانُ وأولادُهم، وما بقي أحدٌ لا في النَّخل ولا في المدينة إلاّ عند النبي صلى الله عليه وسلم، وأشفقنا منها، وظهر ضؤوها إلى أن أُبصرت من مكّة، ومن الفَلاة جميعها. ثمّ سال منها نهرٌ من نار، وأخذ في وادي أُحلين وسدّ الطريق، ثم طلع إلى بحرة الحاجّ، وهو بحر نار يجري وفوقه حرَّة تسير إلى أن قطعت وادي الشَّظاة، وما عاد يجيء في الوادي سيْلٌ قطّ لأنَّها حرّة، تجيء قامتين وثلث عُلُوُّها. والله يا أخي إنّ عيشتنا اليوم مكدَّرة، والمدينة قد تاب أهلُها ولا بقي يُسمع فيها ربابٌ ولا دُف ولا شُرْب. وتمّت تسير إلى أن سدّت بعض طريق الحاجّ، وكان في الودي إلينا منها قَتِير، وخفنا أن تجيئنا، واجتمع النّاس وباتوا عند النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الجمعة وقد طُفِئ قتيرها الذي يلينا بقُدرة الله، وإلى الساعة ما نقَصَتْ بل ترمي مثل الجمال حجارةً من نار، ولها دوِيّ، ما تدعنا نرقد ولا نأكل ولا نشرب، وما أقدر أصف لك عظَمَها ولا ما فيها من الأهوال. وأبصرها أهل ينبُع، وندبوا قاضيهم ابنَ أسعد، وجاء وغدا إليها، وما أصبح يقدر يصفُها من عِظمها، وكتب يوم خامس رجب، والشّمس والقمر من يوم طلعت ما يطلعان إلا كاسِفين.
ومن كتاب آخر من بعض بني الفاشانيّ يقول: جرى عندنا أمرٌ عظيم. إلى أن قال في النّار: ظهر دخان عظيم في السماء ينعقد حتى يبقى كالسحاب الأبيض إلى آخر النهار ظهر للنّار ألسُنٌ تصَّعَّد في الهواء حمراء كأنّها العَلَقة، وعظُمت ففزع النّاس إلى المسجد، وابتهلوا إلى الله، وغطَّت حُمرةُ النّار السّماء كلَّها حتى بقي النّاس في مثل ضوء القمر، وأيقنّا بالعذاب. وصعِد القاضي والفقيه إلى الأمير يعِظُونه فطرح المكس، وأعتق رقيقه كلَّهم، وردّ علينا كلَّ ما لنا تحت يده، وعلى غيرنا، وبقيت كذلك أيّامًا، ثمّ سالت في وادي أُحلين تتحدر مع الوادي إلى الشَّظاة، حتىّ لحق سَيَلانُها ببَحْرة الحاجّ، والحجارة معها تتحرَّك وتسير حتىّ كادت تقارب حرَّة العِراض، ثمَّ سَكَنتْ ووقفت أيامًا، ثم عاد يخرج منها ترمي بحجارة من خلفها وأمامها حتىّ بَنَتْ جبلين خلفَها وأًمامها، وما بقي يخرج منها من بين الجبلين، لسانٌ لها أيّامًا.