وأمر من رتب بالحمام في ذلك الوقت بالخروج على حاشية الأحداث؛ لأن كل رئيس من الأحداث كان يركب في طائفة من الأحداث بالسلاح. فلما فرغوا من السماط قام جيش إلى حجرته، ونهض أولئك إلى مجلس غسل الأيدي كعادتهم، فأغلق الفراشون عليهم، وهن اثنا عشر مقدما، وخرج أولئك من الحمام فقتلوا الأحداث، وكانوا نحو المائتين. وركب القواد ودخلوا دمشق بلا سيف، وثلموا الشرف من كل جانب، وقتلوا وبدعوا. وجرد إلى المرج والغوطة القائد نصرون في أصحابه، وأمره بوضع السيف فيمن بها من الأحداث، فيقال: إنه قتل ألف رجل منهم فاستغاث أهل دمشق إلى جيش، وسألوه العفو والكف، فكف عنهم، ثم طلب الأشراف والأعيان فلما حضروا أخرج رؤساء الأحداث وضرب أعناقهم. ثم قبض على الأعيان، وحملهم إلى مصر، وأخذ أموالهم. ووظف على أهل دمشق خمسمائة ألف دينار، فيقال: إن عدة من قتله من الأحداث والشطار ثلاثة آلاف نفس. وكثر الدعاء عليه فأخذه الله تعالى. وكانت أيامه هذه تسعة أشهر.
قال ابن عساكر: حدثنا الإمام أبو الحسن بن المسلم عن بعض شيوخه أن أبا بكر بن الحرمي الزاهد صادف أحمالا من الخمر لجيش فأراقها عند بيت لهيا، فأحضر بين يدي جيش، فسأله عن أشياء من القرآن والحديث والفقه، فوجده عالما بما سأله، فنظر إلى شاربه وأظفاره، فوجدها مقصوصةً، وأمر من ينظر إلى عانته، فوجدها محلوقةً، فقال: اذهب فقد نجوت مني، لم أجد ما أحتج به عليك. فلما بلغ جيش في مرضه ما بلغ من الجذام وألقى ما في بطنه حتى كان يقول لأصحابه: اقتلوني، أريحوني من الحياة، لشدة ما كان يناله من الألم. قال لأصحابه: رأيت كأن أهل دمشق كلهم رموني بالسهام فأخطأوني، غير رجل أصابني سهمه، ولو سميته لعبده أهل دمشق، فكانوا يرون أنه ابن الحرمي، أصابته دعوته، وعاش ابن الحرمي بعده ستا وأربعين سنة.
٣٨٠ - الحسن بن محمد بن عبد الله بن طوق، أبو علي التغلبي الجياني.