ودخلها عنوة، وقتل طائفة ممن استولى عليها. وسار إلى الصعيد فهذبه. وقتل به في ثلاثة أيام اثني عشر ألف رجل، وأخذ عشرين ألف امرأة، وخمسة عشر ألف فرس، وبيعت المرأة بدينار، والفرس بدينار ونصف. فتجمعوا بالصعيد لحربه، وكانوا عشرين ألف فارس، وأربعين ألف راجل، فساق إليهم فكبسهم وهم على غرة في نصف الليل، فأمر النفاطين فأضرموا النيران وضربت الطبول والبوقات، فارتاعوا وقاموا لا يعقلون. وألقيت النار في وحلة هناك، وامتلأت الدنيا ناراً، وبلغت السماء فولوا منهزمين، وقتل منهم خلق وغرق خلق، وسلم البعض. وغنمت أموالهم ودوابهم. ثم عمل بالصعيد مصافاً آخر، ونصر عليهم. وأحسن إلى الرعية، وأقام المزارعين فزرعوا البلاد، وأطلق لهم الخراج ثلاث سنين، فعمرت البلاد به وعادت، وذلك بعد الخراب، إلى أحسن ما كانت عليه.
وفي شعبان توفي أمير المؤمنين القائم بأمر الله العباسي، واستخلف بعده حفيده عبد الله بن محمد، ولقب بالمقتدي بأمر الله. وحضر قاضي القضاة أبو عبد الله الدامغاني، والشيخ أبو إسحاق الشيرازي، والشيخ أبو نصر ابن الصباغ، ومؤيد الملك ولد نظام الملك، وفخر الدولة ابن جهير الوزير، ونقيب النقباء طراد العباسي، والمعمر بن محمد نقيب العلويين، وأبو جعفر بن أبي موسى الهاشمي الفقيه. فكان أول من بايعه الشريف أبو جعفر، فإنه لما فرغ من غسل القائم بايعه وتمثل:
إذا سيد منا مضى قام سيد ثم أرتج عليه، فقال المقتدي:
قؤول لما قال الكرام فعول فلما فرغوا من بيعته صلى بهم العصر.
وكان أبوه الذخيرة أبو العباس محمد ابن القائم قد توفي أيام القائم، ولم يكن له ولد غيره، فأيقن الناس بانقراض نسل القائم، وانتقال الخلافة من البيت القادري. وكان للذخيرة جارية تسمى أرجوان، فلما مات، ورأت أباه قد جزع ذكرت له أنها حامل، فتعلقت الآمال بذلك الحمل. فولدت هذا بعد موت أبيه بستة أشهر، فاشتد سرور القائم به، وبالغ في الإشفاق عليه والمحبة له.