للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سنة. ومات لم يخلّف درهمًا، ولا عليه درهم. وكذلك كان يقضي عمره.

قال أبو سعد السَّمعانيّ: أبو إسحاق إمام الشّافعيّة، والمدرّس بالنّظاميّة، شيخ الدّهر، وإمام العصر. رحل النّاس إليه من البلاد، وقصدوه من كلّ الجوانب، وتفرَّد بالعلم الوافر مع السّيرة الجميلة، والطّريقة المرضيّة. جاءته الدّنيا صاغرةً، فأباها واقتصر على خشونة العيش أيّام حياته. صنَّف في الأصول، والفروع، والخلاف، والمذهب. وكان زاهدًا، ورعًا، متواضعًا، ظريفًا، كريمًا، جوادًا، طلق الوجه، دائم البشر، مليح المحاورة. وتفقَّه بفارس على أبي الفرج البيضاويّ، وبالبصرة على الخرزي.

إلى أن قال: حدَّثنا عنه جماعة كثيرة، وحكي عنه أنّه قال: كنت نائمًا ببغداد، فرأيت رسول الله ومعه أبو بكر وعمر، فقلت: يا رسول الله بلغني عنك أحاديث كثيرة عن ناقلي الأخبار، فأريد أن أسمع منك خبرًا أتشرَّف به في الدّنيا، وأجعله ذخيرةً للآخرة. فقال: يا شيخ، وسمّاني شيخًا وخاطبني به، وكان يفرح بهذا. ثمّ قال: قل عنّي: من أراد السّلامة فليطلبها في سلامة غيره.

رواها السّمعانيّ، عن أبي القاسم حيدر بن محمود الشّيرازيّ بمرو، أنّه سمع ذلك من أبي إسحاق.

وورد أنّ أبا إسحاق كان يمشي، وإذا كلبٌ، فقال فقيهٌ معه: اخسأ. فنهاه الشّيخ، وقال: لم طردته عن الطّريق؟ أما علمت أنّ الطّريق بيني وبينه مشتركٌ؟

وعنه قال: كنت أشتهي ثريدًا بماء باقلاء أيّام اشتغالي، فما صحَّ لي أكله، لاشتغالي بالدّرس، وأخذ النَّوبة.

قال السَّمعانيّ: قال أصحابنا ببغداد: كان الشّيخ أبو إسحاق إذا بقي مدّةً لا يأكل شيئًا صعد إلى النَّصريّة، فله فيها صديق، فكان يثرد له رغيفًا، ويشربه بماء الباقلاّء. فربمّا صعد إليه، وقد فرغ، فيقول أبو إسحاق: تلك إذا كرَّةٌ خاسرة، ويرجع.

قال أبو بكر الشّاشيّ: الشّيخ أبو إسحاق حجّة الله على أئمّة العصر.

وقال الموفّق الحنفيّ: أبو إسحاق، أمير المؤمنين فيما بين الفقهاء.

قال السَّمعانيّ: سمعت محمد بن عليّ الخطيب يقول: سمعت محمد بن محمد بن يوسف الفاشانيّ بمرو يقول: سمعت محمد بن محمد بن هانئ