ولد في سنة خمسين وخمسمائة، وسمع من عمّيه الصائن هبة الله وأبي القاسم الحافظ، وعبد الرحمن بن أبي الحسن الداراني، وحسان بن تميم الزيّات، وأبي المكارم عبد الواحد بن هِلال، وداود بن محمد الخالدي، ومحمد بن أسعد العراقي، وأبي المعالي بن صابر، وجماعة.
وتفقه على الشيخ قُطْب الدين النيسابوري، حتى برع في الفقه. وزوّجه القطب بابنته، فجاءه منها ولد سماه باسم جده قُطب الدين مسعود، ومات شاباً، ولو عاش لخَلَف جده وأباه.
وقد ولي فخر الدين تدريس الجاروخية، ثم تدريس الصلاحية بالقُدس، ثم بدمشق تدريس التقوية، فكان يقيم بالقدس أشهراً، وبدمشق أشهراً، وكان عنده بالتقوية فضلاء الوقت، حتى كانت تسمى نظامية الشام، وهو أول من درّس بالعَذْراوية، وذلك في سنة ثلاث وتسعين، ماتت الست عذراء بنت شاهنشاه بن أيوب، أخت عز الدين فرُخشاه، فدُفنت بدارها، وكانت أمرت بدارها لأمها، فوقفتها الأم على الشافعية والحنفية.
وكان لا يملّ الشخص من النظر إليه؛ لحُسن سمته، واقتصاده في لباسه، ولُطفه، ونور وجهه، وكان لا يخلو لسانه من ذكر الله في قيامه وقعوده، وكان يُسمع الحديث تحت النسر، وهو المكان الذي كان يُسمع فيه على الحافظ أبي القاسم عمّه.
قال أبو شامة: سألته مسائل فقهية، وكان الملك المعظّم قد أرسل إليه ليوليه القضاء، فأبى، فطلبه ليلاً، فأتاه، فتلقاه، وأجلسه إلى جانبه، فجلس مستوفزاً، فأحضر الطعام فلم يأكل منه شيئاً، فأمره وألحّ عليه أن يتولى القضاء، فقال: حتى أستخير الله تعالى، فأخبرني من كان معه قال: رجع إلى بيته، ووقف يصلي، ويتضرع، ويبكي إلى الفجْر، ثم صلى الصبح، ودخل بيته الصغير الذي عند محراب الصحابة - وكان أكثر النهار يتعبّد ويُفتي ويُطالع فيه، ويجدد الوضوء من طهارة المئذنة، وهذا البيت هو الذي كان يخرج منه خلفاء بني أمية قبل أن يغير الوليد الجامع - قال: فلما طلعت الشمس أتاه من جهة السلطان جماعة، فأصر على الامتناع، وأشار بتولية ابن الحرستاني،