ثم إنهم أحضروا أبا القاسم الفضل ابن المقتدر جعفر وبايعوه بالخلافة، ولقبوه المطيع لله، وسُنُّه يومئذٍ في أربع وثلاثين سنة. ثم قدموا ابن عمه المستكفي، فسلم عليه بالخلافة، وأشهد على نفسه بالخلع قبل أن يُسمل.
ثم صادر المطيع خواصّ المستكفي، وأخذ منهم أموالاً كثيرة، ووصل العباسيين والعلويين في يوم، مع إضاقته، بنيفٍ وثلاثين ألف دينار. وقرر له معزّ الدولة كل يوم مائة دينار ليس إلا نفقةً.
وعظم الغلاء ببغداد في شعبان، وأكلوا الجيف والروث، وماتوا على الطرق، وأكلت الكلاب لحومهم، وبيع العقار بالرُّغفان، ووجدت الصغار مشوية مع المساكين، وهرب الناس إلى البصرة وواسط، فمات خلق في الطرقات.
وذكر ابن الجوزي أنه اشترى لمعزّ الدولة كُرّ دقيق بعشرة آلاف درهم.
قلت: الكُرّ سبعة عشر قنطاراً بالدمشقي. لأن الكُرّ أربعٌ وثلاثون كارة. والكارة خمسون رطلاً بالدمشقي.
ووقع ما بين معز الدولة وبين ناصر الدولة بن حمدان، فجمع ناصر الدولة وجاء فنزل سامراء، فخرج إليه معزّ الدولة ومعه المطيع في شعبان، وابتدأت الحرب بينهم بُعكبرا.
وكان معزّ الدولة قد تغير على ابن شيرزاد واستخانه في الأموال، فأحفظه ذلك، ووقع القتال، فاندفع معزّ الدولة والمطيع بين يديه، فجاء ناصر الدولة فنزل بغداد، من الجانب الشرقي فملكها، وجاء معزّ الدولة ومعه المطيع كالأسير، فنزل في الجانب الغربي، وبقي في شدة غلاء حتى اشتري له كرّ حنطة بعشرة آلاف درهم أو بأكثر. وعزم على المسير إلى الأهواز فقال: روِّزوا لنا الشطّ، فإن قدرنا على العبور كان أهون علينا. فلما عبرت الديالمة اضطرب عسكر ناصر الدولة وانهزموا، وهرب ناصر الدولة فعبر معزّ الدولة إلى الجانب الشرقي، وأحرق الديلم سوق يحيى، ووضعوا السيف في الناس وسبوا الحريم، وهرب النساء إلى عُكبرا، ومات منهن جماعة من العطش.
ولم يحج أحدُ من أهل العراق.
وفيها توفي القاضي أبو الحسن أحمد بن عبد الله بن إسحاق الخرقي