الشّافعي بهراة، وكان إمامنا شيخ الإسلام يزوره، ويعوده في مرضه ويتبرّك بدعائه. وكان نظام الملك يقول: لولا هذا الإمام في هذه البلدة لكان لي ولهم شأن. يهدّدهم. وكان يعتقد فيه اعتقاداً عظيماً، لكونه لم يقبل منه شيئاً قطّ. ولمّا سمعت منه مسند التّرمذي هنّاني شيخ الإسلام، وقال: لم تخسر في رحلتك إلى هراة. وكان شيخ الإسلام قد سمع الكتاب قديماً من محمد بن محمد بن محمود، عن الحسين بن الشّمّاخ، ومحمد بن إبراهيم، قالا: أخبرنا أبو علي التّراب، عن أبي عيسى؛ ثمّ سمعه من الجرّاحي.
٢٤٥ - محمود بن منصور البغدادي، المعروف بطاس.
سمع عبد الملك بن بشران. وعنه شجاع الذّهلي، وغيره.
توفّي في صفر.
٢٤٦ - معدّ، أبو تميم الملقب بأمير المؤمنين المستنصر بالله ابن الظّاهر بالله ابن الحاكم بأمر الله ابن العزيز ابن المعز العبيدي، صاحب مصر والمغرب.
بويع بعد موت أبيه الظّاهر في شعبان، وبقي في الخلافة ستين سنة وأربعة أشهر. وهو الذي خُطب له بإمرة المؤمنين على منابر العراق، في نوبة الأمير أبي الحارث أرسلان البساسيري، في سنة إحدى وخمسين وأربع مائة. ولا أعلم أحداً في الإسلام - لا خليفةً ولا سلطاناً - طالت مدّته مثل المستنصر هذا.
ولي الأمر وهو ابن سبع سنين ولمّا كان في سنة ثلاثٍ وأربعين وأربع مائة قطع الخطبة له من المغرب الأمير المعزّ بن باديس، وقيل: بل قطعها في سنة خمسٍ وثلاثين، وخطب لبني العبّاس، وخرج عن طاعة بني عبيد الباطنيّة.
وحدث في أيام هذا المتخلّف بمصر الغلاء الذي ما عهد مثله منذ زمان يوسف - صلى الله عليه وسلم - ودام سبع سنين، حتّى أكل النّاس بعضهم بعضاً، حتّى قيل: إنّه بيع رغيفٌ واحدٌ بخمسين ديناراً، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون، وحتى أن المستنصر هذا بقي يركب وحده، وخواصّه ليس لهم دواب يركبونها. وإذا مشوا سقطوا من الجوع، وآل الأمر إلى أن استعار المستنصر بغلةً يركبها حامل الجتر من ابن هبة صاحب ديوان الإنشاء.