أن قدم الباذرائي للصلح بين صاحب حلب وبين السلطان، على أن يقر حمص بيد صاحب حلب، فوقع الاتفاق على ذلك، وترحل عسكر السلطان عن حمص لمرض السلطان، ولأن الفرنج تحركوا وقصدوا مصر، وترحل السلطان إلى الديار المصرية لذلك وهو في محفة. وكان الناصر صاحب الكرك قد بعث شمس الدين الخسروشاهي إلى السلطان وهو بدمشق يطلب منه خبزا بمصر والشوبك لينزل له عن الكرك، فبعث السلطان تاج الدين ابن مهاجر في إبرام ذلك إلى الناصر، فرجع عن ذلك لما سمع بحركة الفرنج، وطلب السلطان نائب مصر جمال الدين ابن يغمور، فاستنابه بدمشق، وبعث على نيابة مصر حسام الدين ابن أبي علي، فدخلها في ثالث محرم سنة سبع. وسار السلطان فنزل بأشمون طناح ليكون في مقابلة الفرنج إن قصدوا دمياط. وتواترت الأخبار بأن ريذا فرنس مقدم الإفرنسيسية قد خرج من بلاده في جموع عظيمة وشتى بجزيرة قبرص، وكان من أعظم ملوك الإفرنج وأشدهم بأساً. وريذ: بلسانهم الملك.
وشحنت دمياط بالذخائر، وأحكمت الشواني. ونزل فخر الدين ابن الشيخ بالعساكر فنزل على جيزة دمياط، فأقبلت مراكب الفرنج فأرست في البحر بإزاء المسلمين في صفر. ثم شرعوا من الغد في النزول إلى البر الذي فيه المسلمون. وضربت خيمة حمراء لريذا فرنس، وناوشهم المسلمون القتال، فقتل يومئذ الأمير نجم الدين ابن شيخ الإسلام، والأمير الوزيري، فترحل فخر الدين ابن الشيخ بالناس، وقطع بهم الجسر إلى البر الشرقي الذي فيه دمياط، وتقهقر إلى أشمون طناح، ووقع الخذلان على أهل دمياط، فخرجوا منها طول الليل على وجوههم حتى لم يبق بها أحد. وكان هذا من قبح رأي فخر الدين فإن دمياط كانت في نوبة سنة خمس عشرة وستمائة أقل ذخائر وعدداً، وما قدر عليها الفرنج إلى بعد سنة، وإنما هرب أهلها لما رأوا هرب العساكر وعلموا مرض السلطان. فلما أصبحت الفرنج تملكوها صفواً بما حوت من العدد والأسلحة والذخائر والغلال والمجانيق، وهذه مصيبة لم يجر مثلها.