وطابت الأندلس للملّثمين، فعمل ابن تاشفين على أخذها، فشرع أوّلاً، وقد سار في خدمته ملك غرناطة، فقبض عليه وأخذ بلده، واستولى على قصره بما حوى، فيقال: إنّ في جملة ما أخذ أربعمائة حبة جوهر، فقوَّمت كلّ واحدةٍ بمائة دينار.
ونقل ابن الأثير أنّ ابن تاشفين أرسل إلى المقتدي بالله العّباسّي يطلب أن يسلطنه، فبعث إليه الخلع والأعلام والتّقليد، ولقِّب بأمير المسلمين.
ولمّا افتتح السّلطان ملكشاه حلب والجزيرة، رجع ودخل بغداد، وهو أوّل دخوله إليها، فنزل بدار المملكة ولعب بالكرة، وقدَّم تقادم للخليفة، ثمّ قدم بعده نظام الملك. ثمّ سار فزار قبور الصّالحين، وفيه يقول ابن زكرويه الواسطيّ:
زرت المشاهد زورةً مشهودةً أرضت مضاجع من بها مدفون فكأنّك الغيث استهلّ بتربها؛ وكأنّها بك روضةٌ ومعينٌ ثمّ خرج وتصيّد، وأمر بعمل منارة القرون من كثرة ما اصطاد من الغزلان وغيرها. ثمّ جلس له الخليفة ودخل إليه وأفرغ الخلع عليه. ولم يزل نظام الملك قائماً يقدَّم أميراً أميراً إلى الخليفة، وكلما قدَّم أميراً قال: هذا العبد فلان، وإقطاعه كذا وكذا، وعدّة رجاله وأجناده كذا وكذا؛ إلى أن أتى على آخرهم. ثمّ خلع على نظام الملك. وكان يوماً مشهوداً.
وجلس نظام الملك بمدرسته، وحدَّث بها، وأملى مجلساً. ثمّ سار السّلطان من بغداد إلى أصبهان في صفر من سنة ثمانين.
وفيها كانت فتنة هائلة بين السُّنّة والشّيعة، وكادت الشّيعة أن تهلك، ثمّ حجز بينهم الدّولة.
وفيها قدم الشّريف أبو القاسم عليّ بن أبي يعلى الحسينيّ الدّبّوسيّ بغداد في تجمُّل عظيم لم ير مثله لعالم، ورتّب مدرسّاً بالنّظاميّة بعد أبي سعد المتولّي.
وفيها زوّج السّلطان أخته زليخا بابن صاحب الموصل، وهو محمد ابن شرف الدّولة مسلم بن قريش، وأقطعه الرحبة، وحرّان، والرَّقَّة، وسروج، والخابور. وتسلَّم هذه البلاد سوى حرّان، فإنّ محمد بن الشّاطر امتنع من تسليمها مدّة، ثمّ سلّمها.