يقبح ودع: كيف أصبح الأمير؟ وكيف أمسى؟ واجعل مكان التعريض لي صواب الاستماع مني.
روى إسحاق بن إبراهيم النديم، عن أبيه قال: كنت بين يدي الرشيد، والناس يعزونه في طفل، ويهنونه بمولود ولد تلك الليلة، فقال عبد الملك بن صالح: يا أمير المؤمنين آجرك الله فيما ساءك، ولا ساءك فيما سرك، وجعل هذه بهذه جزاء للشاكر، وثوابا للصابر.
الرياشي: حدثنا الأصمعي قال: كنت عند الرشيد، فأتي بعبد الملك بن صالح يرفل في قيوده، فلما مثل بين يديه، التفت الرشيد يحدث يحيى بن خالد، وتمثل ببيت عمرو بن معدي كرب:
أريد حباءه، ويريد قتلي عذيري من خليلك من مراد
ثم قال: يا عبد الملك، لكأني والله أنظر إلى شؤبوبها قد همع، وإلى عارضها قد لمع، وكأني بالوعيد قد أورى نارا، فأبرز عن براجم بلا معاصم، ورؤوس بلا غلاصم، فمهلا مهلا بني هاشم، فبي والله، سهل لكم الوعر، وصفا لكم الكدر، وألقت إليكم الأمور أزمتها، فبدار بدار لكم من حلول داهية، أو حنوط باليد والرجل.
فقال: أتكلم يا أمير المؤمنين؟ قال: قل.
قال: اتق الله فيما ولاك، واحفظه في رعاياك التي استرعاك، ولا تجعل الكفر بموضع الشكر، والعقاب بموضع الثواب، فقد والله سهلت لك الوعور، وجمعت على خوفك، ورجائك الصدور، وسددت أواخي ملكك بأوثق من ركن يلملم، فأعاده إلى محبسه، ثم أقبل علينا، فقال: والله لقد نظرت إلى موضع السيف من عنقه مرارا، فمنعني من قتله إبقائي على مثله.
قال: فأراد يحيى بن خالد أن يضع من عبد الملك إرضاء للرشيد، فقال له: يا عبد الملك بلغني أنك حقود. قال: أيها الوزير إن كان الحقد هو بقاء الخير والشر، إنهما لباقيان في قلبي.
فقال الرشيد: ما رأيت أحدا احتج للحقد بأحسن من هذا.
ويقال: إنه إنما حبسه لما رآه نظيرا له في أشياء من النبل والفصاحة.