نصر بن سعد الكردي، فسقاه، وعادت نفسه إليه، ونهب ما كان معه من مال، وحمله إلى دبيس إلى النعمانية، فأقدمه إلى بغداد وخيم بالرقة.
وبعث به إلى المسترشد بعد تسليم عشرين ألف دينار قررت عنه، وكانت أيامه أحد عشر شهرًا، وشهر وزيره ابن زهمويه على جمل، ثم قتل في الحبس، فقيل: إن الأمير أبا الحسن دخل على أخيه المسترشد، فقبل قدمه فبكيا جميعًا، ثم قال له: فضحت نفسك، وباعوك بيع العبيد. وأسكنه في داره التي كان فيها وهو ولي عهد، ورد جواريه وأولاده، وأحسن إليه، ثم شدد عليه بعد ذلك.
وفيها خطب بولاية العهد للأمير أبي جعفر منصور ابن المسترشد، وله اثنتا عشرة سنة.
وفي جمادى الأولى كانت الوقعة بين السلطانين سنجر ومحمود ابن أخيه وزوج ابنته، وذلك أن سنجر لما بلغه موت أخيه السلطان محمد دخل عليه حزن مفرط، وجلس على الرماد وصاح، وأغلق البلد أيامًا. وعزم على قصد العراق ليملكه، وندم على قتل وزيره أبي جعفر محمد ابن فخر الملك ابن نظام الملك لأمور بدت منه، وأخذ أمواله. وكان له من الجواهر والأموال ما لا يوصف، فالذي وجدوا له من العين ألفا ألف دينار، فلما قتله استوزر بعده شهاب الإسلام عبد الرزاق ابن أخي نظام الملك.
ولما سمع محمود بحركة عمه سنجر نحوه راسله ولاطفه وقدم له تقادم، فأبى إلا القتال أو النزول له عن السلطنة. فتجهز محمود، وتقدم على مقدمته أمير حاجب في عشرة آلاف، ووصل محمود إلى الري فدخلها، ثم ضجر منها وتقدم منها. وجاء إلى خدمته منصور أخو دبيس، وجماعة أمراء، وتصمد معه ثلاثون ألفًا.
وأقبل سنجر في نجو مائة ألف، وكانت الوقعة بصحراء ساوة، وكان مع سنجر خمسة ملوك على خمسة أسرة وأربعون فيلًا، عليها البركصطوانات والمراوات والزينة الباهرة، وألوف من الباطنية، وألوف من كفار الترك.
فلما التقوا هبت ريح سوداء أظلمت الدنيا، وظهر في الجو حمرة منكرة، وآثار مزعجة، وخاف الناس. ثم انكشفت الظلمة واقتتلوا، فانكسرت ميمنة سنجر، ثم ميسرته، وثبت هو في القلب والفيلة معه. وكذا بقي محمود في القلب وحده، وتفرق أكثر جيشه في النهب، فحمل سنجر بالفيلة، فولت الخيل منها، فتأخر محمود ولم ينهزم، فلم يتبعه سنجر؛ لأنه رأى مجنبتيه قد