المعاني اجتمع له الخلق، فلم يضبط إلا القضاة، فكانوا ثمانين قاضيا، وأمل الحمد في مائة ورقة، قال: وكان المأمون قد وكل بالفراء ابنيه يلقنهما النحو، فأراد يوما النهوض لحاجة، فابتدرا إلى نعله فتنازعا أيهما يقدمه، ثم اصطلحا أن يقدم كل واحد فردة، فبلغ المأمون، فقال: ليس يكبر الرجل عن تواضعه لسلطان ووالده ومعلمه العلم.
وقال ابن الأنباري: لو لم يكن لأهل بغداد والكوفة من علماء العربية إلا الكسائي والفراء لكان لهم بهما الافتخار على الناس، قال: وكان يقال للفراء: أمير المؤمنين في النحو.
وعن هناد بن السري قال: كان الفراء يطوف معنا على الشيوخ فما رأيناه أثبت سوداء في بيضاء، فظننا أنه كان يحفظ ما يحتاج إليه.
وقال محمد بن الجهم السمري: ما رأيت مع الفراء كتابا قط إلا كتاب يافع ويفعة.
وقال أحمد بن يحيى ثعلب: حدثنا سلمة قال: أمل الفراء كتبه كلها حفظا، لم يأخذ بيده نسخة إلا كتابين: كتاب ملازم، وكتاب يافع ويفعة.
قال ابن الأنباري: مقدارهما خمسون ورقة، ومقدار كتب الفراء ثلاثة آلاف ورقة، وقيل: إنما سمي بالفراء لأنه كان يفري الكلام، وجاء أنه توفي بطريق مكة سنة سبع ومائتين، وله ثلاث وستون سنة رحمه الله.
وقال سلمة بن عاصم: إني لأعجب من الفراء كيف يعظم الكسائي وهو أعلم بالنحو منه.
٣٠٣ - الفضل بن الربيع بن يونس، حاجب الرشيد، وابن حاجب المنصور.
كان من رجال الدهر رأيا وحزما ودهاء ورياسة، وهو الذي قام بخلافة الأمين، وساق إليه الخزائن بعد موت والده، وسلم إليه القضيب والخاتم، وأتاه بذلك من طوس، وكان هو الكل لاشتغال الأمين باللعب واللهو، ولما تداعت دولة الأمين ولاح عليها الإدبار اختفى الفضل مدة طويلة، فلما بويع