٢٥ - منصور الحاكم بأمر الله، أبو علي، صاحب مصر ابن العزيز نزار ابن المعز بالله العُبيدي.
كان جوادا سمحا، خبيثا ماكرا، رديء الاعتقاد سفاكا للدماء، قتل عددا كثيرا من كُبراء دولته صبرا، وكان عجيب السيرة، يخترع كل وقت أمورا وأحكاما يحمل الرعية عليها؛ فأمر بكتب سب الصحابة على أبواب المساجد والشوارع، وأمر العمال بالسب في سنة خمس وتسعين وثلاثمائة، وأمر فيها بقتل الكلاب، فقُتلت عامة الكلاب في مملكته، وبطل الفُقاع، والمُلوخيا، ونهى عن السمك الذي لا قشر له، وظفر بمن باع ذلك فقتلهم، ونهى في سنة ثنتين وأربعمائة عن بيع الرطب. ثم جمع منه شيئا عظيما فأحرق الكل، ومنع من بيع العنب، وأباد الكثير من الكروم، وفيها أمر النصارى بأن تعمل في أعناقهم الصُلبان، وأن يكون طول الصليب ذراعا، ووزنه خمسة أرطال بالمصري، وأمر اليهود أن يحملوا في أعناقهم قرامي الخشب في زنة الصلبان، وأن يلبسوا العمائم السود ولا يكتروا من مسلم بهيمةً، وأن يدخلوا الحمام بالصلبان. ثم أُفردت لهم حمامات. وفي العام أمر بهدم الكنيسة المعروفة بقُمامة، وبهدم جميع كنائس مصر، فأسلم طائفة منهم. ثم إنه نهى عن تقبيل الأرض له، وعن الدعاء له في الخطبة، وفي الكتب، وجعل عوض ذلك السلام عليه.
وقيل: إن ابن باديس أرسل يُنكر عليه أمورا، فأراد استمالته، فأظهر التفقه، وحمل في كُمه الدفاتر، وطلب إليه فقيهين، وأمرهما بتدريس مذهب مالك في الجامع. ثم بدا له فقتلهما صبرا، وأذن للنصارى الذين أكرههم في الرجوع إلى الشرك.
وفي سنة أربع وأربعمائة نفى المنجمين من البلاد، ومنع النساء من الخروج في الطرق ليلا ونهارا، ومنع من عمل الخفاف لهن. فلم يزلن ممنوعات سبع سنين وسبعة أشهر حتى مات. ثم إنه بعد مدة أمر ببناء ما كان أمر بهدمه من الكنائس، وارتد طائفة ممن أسلم منهم.
وكان أبوه قد ابتدأ الجامع الكبير بالقاهرة، فتممه هو، وكان على بنائه ونظره الحافظ عبد الغني بن سعيد.