ثمّ إنّها عظُمت الآن وشبَاها إلى الآن، وهي تتّقد كأعظم ما يكون، ولها كلّ يوم صوت عظيمٌ من آخر الليل إلى ضَحْوِة، والشمس والقمر كأنّهما منكسفان إلى الآن، وكتب هذا ولها شهر.
قلت: أمر هذه النّار متواتر، وهي ممّا أخبر به المصطفى صلوات الله عليه وسلامه حيث يقول: لا تقوم الساعة حتّى تخرج نارٌ من أرض الحجاز تُضيء لها أعناق الإبل بِبُصرى وقد حكى غير واحد ممّن كان بِبُصْرى في الليل ورأى أعناق الإبل في ضوئها.
وقال أبو شامة: وفي ليلة السّادس عشر، كذا قال، من جمادى الآخرة خُسف القمر أول الليل، وكسفت الشمس في غده، كذا قال، وقال احمرَّت وقت طلوعها وغروبها. وبقيت كذلك أيّامًا متغيّرة ضعيفة النّور، واتّضح بذلك ما صوّره الشّافعيّ من اجتماع الكسوف والعيد.
قلت: هذا الكلام فيه بعض ما فيه، وقوله: كُسفت الشّمس في الغد دعوى ما علِمتُ أحدًا وافقه عليها ولا ورَّخها غيره، ثم بيَّن مسْتنده باحمرار الشمس وضعف نورها، وهذا لا يُسمى كسوفًا أبدًا، ولقد كنت في رحلتي إلى الإسكندرية وأنا في المركب أنظر إلى الشمس قبل غروبها بساعة، وهي كأنها نحاسةٌ حمراء ما لها من النّور شيء أصلًا إلى أن تتوارى، وذلك لكثافة الأبخرة الأرضية، ومثل هذا إذا وقع لا تصلى له صلاةَ الكسوف، والنبيّ صلى الله عليه وسلم لم نسمعه سمّى ذلك كسوفًا في وصف ليلة القدر بالآية التي ميَّزها بها فقال: إنّ الشمس تطلُع من صبيحتها ولا شُعاع لها وأما كسوف الشّمس والقمر فشيءٌ ظاهر يبدو قليلًا قليلًا في القُرص إلى أن يذهب نورهما ولونهما، وتظهر الكواكب بالنَّهار. وقد يكون كسوفًا ناقصًا فيبقى شطر من الشّمس كاسفًا، وشطرٌ نيّرًا.
وأما حساب أهل الهيئة لذلك فشيء ما علمْتُه يخرم أبدًا، وهو عندهم