وأميراً. فقال له الجوهر: أنت الأمير. قال: لا يمكنني هذا، أنا حامل أمانة الشرع، ولكن كن أنت الأمير. قال: لو فعلت هذا تسلطت قبيلتي على الناس وعاثوا، فيكون وزر ذلك علي. قال له: فهذا أبو بكر بن عمر رأس لمتونة، وهو جليل القدر، محمود السيرة، مطاع في قومه، فسر إليه واعرض عليه الإمرة، والله المستعان.
فبايعوا أبا بكر، وعقدوا له راية، وسماه عبد الله أمير المسلمين. وقام حوله طائفة من جدالة وطائفة من قومه. وحضهم ابن ياسين على الجهاد وسماهم المرابطين. فتألبت عليهم أحزاب الصحراء من أهل الشر والفساد، وجيشوا لحربهم، فلم يناجزوهم القتال، بل تلطف عبد الله بن ياسين وأبو بكر واستمالوهم، وبقي قوم أشرار، فتحيلوا عليهم حتى جمعوا منهم ألفين تحت زرب عظيم وثيق، وتركوهم فيه أياماً بغير طعام، وحصروهم فيه، ثم أخرجوهم وقد ضعفوا من الجوع وقتلوهم. فدانت لأبي بكر بن عمر أكثر القبائل وقويت شوكته.
وكان عبد الله يبث فيهم العلم والسنة، ويقرئهم القرآن، فنشأ حوله جماعة فقهاء وصلحاء. وكان يعظهم ويخوفهم، ويذكر سيرة الصحابة وأخلاقهم، وكثر الدين والخير في أهل الصحراء. وأما الجوهر فإنه أخلصهم عقيدة، وأكثرهم صوماً وتهجداً، فلما رأى أن أبا بكر استبد بالأمر، وأن عبد الله بن ياسين ينفذ الأمور بالسنة، بقي الجوهر لا حكم له، فداخله الهوى والحسد، وشرع سرا في إفساد الأمر. فعلم بذلك منه، وعقدوا له مجلساً وثبت ما قيل عنه، فحكم فيه بأنه يجب عليه القتل، لأنه شق العصا، فقال: وأنا أحب لقاء الله. فاغتسل وصلى ركعتين، وتقدم فضربت عنقه.
وكثرت طائفة المرابطين، وتتبعوا من خالفهم في القبائل قتلاً ونهباً وسبياً إلا من أسلم، وبلغت الأخبار إلى الفقيه بما فعل عبد الله بن ياسين فعظم ذلك عليه وندم، وكتب إليه ينكر عليه كثرة القتل والسبي، فأجابه: أما إنكارك علي ما فعلت وندامتك على إرسالي، فإنك أرسلتني إلى أمة كانوا جاهلية يخرج أحدهم ابنه وابنته لرعي السوام، فتأتي البنت حاملاً من أخيها، فلا ينكرون ذلك، وما دأبهم إلا إغارة بعضهم على بعض، ويقتل بعضهم بعضاً. ففعلت وفعلت وما تجاوزت حكم الله، والسلام.