فذهب أبو نمي إلى ينُبع، فاستنجد بصاحبها، وجمع وقصد مكة، فالتقيا، فحمل أبو نمي على عمه فطعنه رماه، ونزل فذبحه واستبدّ بإمرة مكة.
وفي جمادى الآخرة خرج السلطان بالجيش لقصد حصن الأكراد، فبدأ بالإغارة على اللاذقية، والمرقب، ومرقية، وتلك النواحي، وافتتح في ذلك صافيثا، والمجدل، ثم نزل على حصن الأكراد في تاسع عشر رجب، ونصبت المجانيق والستائر، وللحصن ثلاثة أسوار فأُخذت الباشورة بعد يومين وأُخذت الباشورة الثانية في سابع شعبان، وفتحت الثالثة الملاصقة للقلعة في نصف شعبان، وكان المحاصر لها الملك السعيد، وبيليك الخزندار، وبيسري الصالحي، ودخلوا البلد بالسيف، فأسروا من فيه من الجبليّة والفلاحين، ثم أطلقهم السلطان وتسلم القلعة في الخامس والعشرين من شعبان بالأمان وترحل أهلها إلى طرابلس، ثم رتب الأفرم لعمارة الحصن، وصيِّرت الكنيسة جامعاً.
وطلب صاحب أنطرسوس المهادنة، وبعث بمفاتيحها إلى السلطان، فصالحه على نصف ما يتحصل منها، وجعل عندهم نائباً وجاءت رسل صاحب المرقب، فصالحهم على النصف أيضاً، وقررت الهدنة عشر سنين، وعشرة أشهر، وعشرة أيام.
ثم نزل السلطان على حصن ابن عكار، ونصبت المجانيق، ثم تسلمها بالأمان، وهي قلعة في واد بين جبال.
ثم خيَّم في رابع شوال على طرابلس، فسيرَّ إليه صاحُبها يسأل عن سبب قصده، فقال: لأرعى زرعكم وأخرب بلادكم، ثم أعود لحصاركم، فبعث إليه يستعطفه، ثم هادنه عشر سنين.
وفي شوّال جاء دمشق سيلٌ عظيم مهول هدم البيوت، وأخذ النُّزّال من الحجاج الروميين بين النهرين وجمالهم، وغرق جماعة، وذهب للناس شيءٌ كثير، وكان ذلك بالنهار والشمس طالعة، والمشمش قد شرع، فغُلقِّت أبواب المدينة، وطغى الماء وارتفع حتى بلغ أحد عشر ذراعاً، وارتفع عند باب الفرج ثمانية أذرُع، وكادت دمشق أن تغرق، وسدّت الزّيادة الأنهار بطين أصفر، ودخل الماء إلى البلد، وخرب خان ابن المقدَّم، وطلع الماء فوق أسطحةٍ كثيرة